استكمالا لعملية التطهير العرقي، وتغيير معالم المدينة المقدسة ديمغرافيا وجغرافيا ودينيا وتراثيا وثقافيا، تجرأ احد نواب ائتلاف اليمين المتطرف الحاكم، أريه الداد على تقديم مشروع قانون للكنيست لاقراره، يستهدف تقسيم المسجد الاقصى بين المسلمين واليهود، إسوة بما هو قائم في الحرم الابراهيمي؟! وكان النائب زئيب الكين، رئيس الائتلاف الحكومي، أعلن قبل ايام انه سيعمل على دخول اليهود فقط الى باحة المسجد الاقصى في ايام محددة!؟

وتساوقا مع المنطق والخيار الاجرامي الاسرائيلي، دعا تقرير للخارجية الاميركية، الى السماح لليهود بالصلاة في المسجد الاقصى. ولم يكتفِ التقرير الاميركي (إن كان صحيحاً) انما دوّن انتقادا للفلسطينيين، لعدم سماحهم لغير المسلمين الدخول الى الجامع القبلي المسقوف ومسجد قبة الصخرة؟!

قبل ان يتعرض المرء للاسرائيليين والاميركيين وغيرهم ممن يتواطأون معهم، تستدعي الضرورة التوجه للقيادة الفلسطينية والقيادات العربية والاسلامية على حد سواء، وسؤالهم لماذا فعلت دولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية ما فعلت، وتفعل من انتهاكات وجرائم ومصادرة وتهويد أراض وتزوير التاريخ ؟ من المسؤول عن تلك الجرائم؟ أيعقل وضع كل البؤس الفلسطيني والعربي والاسلامي على بلطجة وصفاقة ووحشية الاحتلال الاسرائيلي، والمشروع الكولونيالي الصهيوني؟ أين مسؤولية الفلسطينيين والعرب والمسلمين؟ أليس منطق التراخي، والتخندق في خنادق الانتظار، وعدم تحريك أدوات الفعل الشعبي والرسمي والقومي والاسلامي، هو الشريك في المسؤولية عما آلت اليه الامور، وما ستؤول اليه في قادم الايام؟

استخفاف وعنصرية إلداد وألكين وغيرهم من قادة الائتلاف الحكومي في الحكومة والكنيست تجاوزت كل حدود المنطق والعقل والشرائع بمحتلف صنوفها، والأنكى من ذلك، تواطؤ الولايات المتحدة الاميركية مع مشروع الجريمة الاسرائيلية الجديدة، الهادفة الى استكمال عملية ضم مدينة القدس الشرقية الى دولة الابرتهايد الصهيونية لنسف عملية السلام كليا، وتبديد خيار حل الدولتين للشعبين على حدود الرابع من حزيران 1967. الامر الذي يؤكد على الشراكة الاسرائيلية – الاميركية في قتل عملية السلام دون اي خشية من ردود الفعل الوطنية والعربية والاسلامية وانصار السلام في العالم؟ ويشير بشكل جلي إلى ان الادارة الاميركية تخلت عن دورها كراعٍ لعلمية السلام، وان استمرت في ذات المهمة، فإنها بذلك، تبقى رغما عن انف الفلسطينيين والعرب، وبرضى المتواطئين منهم معها، او الذين يخشون على مواقعهم.

إن كان ما جاء في التقرير الاميركي صحيحا، فان الضرورة تملي على القيادة الفلسطينية، التخلي عن كياستها ودبلوماسيتها الايجابية تجاه الولايات المتحدة وتعلن على الملأ رفضها للمنطق الاميركي، وتطالب العالم بالزام اميركا بترك دور الراعي لعملية السلام او بالأحرى اعلان القيادة بشكل مباشر، الرفض الكامل لأي رعاية اميركية لعملية السلام. ولتتخذ ما تتخذه الادارة الاميركية من الاجراءات والقرارات العقابية ضد الشعب الفلسطيني، لان ذلك افضل الف مرة من القبول الفلسطيني بالانتهاكات والسياسات الاميركية تحت يافطة القبول بدورها كراعٍ لعملية السلام، وهي تقوم على مدار الساعة بتقديم كل اشكال القهر والقتل والدعم والاسناد لدولة الابرتهايد الاسرائيلية لتصفية قضية ومصالح الشعب العربي الفلسطيني على مرأى ومسمع من القيادات الفلسطينية والعربية وغيرها من دول العالم آن الأوان لوقف المهزلة الجارية منذ عام 1993، ولتذهب اميركا ورعايتها المسمومة الى الجحيم. ولتعود ملفات القضية الى الامم المتحدة، رغم الادراك المسبق، ان الهيئة الدولية الاولى تخضع لابتزاز الولايات المتحدة. او بتعبير أدق، هي من ساهمت بشكل مباشر في تأسيسها لتنفيذ دور ومهمة محددة لصالح هيمنة اميركا على شعوب الارض، مع ذلك، تستطيع الأمم المتحدة بما لديها من قوانين وقرارات وشرائع وأعراف ومواثيق دولية حماية الحقوق الوطنية.

واستمراراً لمناقشة التقرير الاميركي المعادي لمصالح الفلسطينيين والعرب والمسلمين وشعوب الارض، فإن المسألة ليست السماح او عدم السماح لغير المسلمين بزيارة المسجد الاقصى وقبة الصخرة، بل يكمن في الاهداف الخبيثة والاجرامية والاستعمارية التي تعمل دولة الاحتلال الكولونيالية على تنفيذها على الارض لتهويد وضم مدينة القدس الشرقية. اما الزيارات فهي مسموحة لاتباع الديانات المختلفة للاماكن المقدسة الاسلامية والمسيحية شرط ان يحترم الزوار التعاليم والقيم الخاصة بالأماكن المقدسة وتعاليم الديانات السماوية.

لكن المشكلة ليست في مبدأ الزيارة لليهود او غيرهم من اتباع الديانات او القوميات والامم الاخرى؛ بل في الاهداف الخبيثة والواضحة وضوح الشمس للقاصي والداني من الفلسطينيين والعرب وانصار السلام في العالم وقبل الجميع للادارة الاميركية المتساوقة والمتواطئة مع حكومة اقصى اليمين الصهيوني وسياساتها ومخططاتها المعادية للسلام والتعايش بين الشعوب. تلك الاهداف، التي تستهدف حقوق واهداف ومصالح الشعب الفلسطيني بحدها الادنى، وتستهدف عملية التسوية السياسية.

مشروع القانون الاجرامي الجديد لأريه الداد والكين ومن لف لفهم، بحاجة ماسة الى مواقف سياسية جدية ونوعية ومختلفة عما سبق من مواقف وقرارات على الصعيد الوطني. واللحظة السياسية اختبار عميق الدلالة للقيادة الفلسطينية في مدى قدرتها على التصدي للجريمة والانتهاك الاسرائيلي المفترض.

ولعل انعقاد قمة مكة في 27 و28 رمضان الحالي، التي دعا لها خادم الحرمين الشريفين فرصة مناسبة جدا لاثارة القضية بقوة أمام القمة الاسلامية، لاسيما وان المستهدف المسجد الاقصى، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، الذي دعا الرسول العربي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام لزيارته إسوة بالحرم المكي الشريف ومسجد الرسول في المدينة المنورة. ومطالبة العرب والمسلمين بمواقف قوية جدية تتناسب مع خطورة التطورات الجارية على الارض الفلسطينية عموما والحوض المقدس خصوصا، واستعادة مكانة القضية الفلسطينية، كقضية مركزية للعرب والمسلمين، والعمل على حشد انصار السلام في العالم للتصدي لعمليات التطهير العرقي الاسرائيلية ضد الفلسطينيين، وسحب البساط من تحت اقدام اميركا كراعٍ اساسي للسلام في المنطقة او على الاقل التلويح بهذه الورقة في وجه اميركا.

وفي السياق، التوجه مباشرة للجمعية العامة من الان ودون انتظار ايلول المقبل للمطالبة بالحصول على العضوية غير الكاملة فيها، وتجاوز وضع المراقب الحالي. وفي ذات الوقت، التلويح بخيار الدولة الواحدة لكل مواطنيها.

المعركة الدفاع عن الاقصى والارض والاهداف والمصالح الفلسطينية، تستدعي الخروج عن النمطية السياسية السائدة منذ 1993، وتحتاج الى اجتراح قرارات وتوجهات غير مألوفة من قبل اسرائيل واميركا واوروبا والعالم ككل، وإلا فان الحقوق الوطنية ستتقزم الى الحد الذي لا يقبل القسمة على اي مشروع وطني.