عالجت أكثر من مرة انتهاكات وارهاب حركة الانقلاب الحمساوية في هذه الزاوية، وأظهرت حجم الاخطار، التي ينتجها قادة ومشرعو الانقلاب على الشعب في محافظات الجنوب. غير أن الضرورة تملي بشكل دوري ودائم تسليط الضوء على الانتهاكات بصورها واشكالها ومسمياتها المتجددة، وذلك من اجل فضحها وتعريتها؛ ولاظهار مخاطرها على المواطن الفلسطيني؛ ولحث القوى والشعب معا على استنهاض الهمم لطي صفحة الانقلاب الاسود من السجل الفلسطيني.

القانون القديم الجديد، الذي ناقشته كتلة التغيير والاصلاح (كتلة انقلاب حركة حماس) في اجتماعاتها العبثية، والمتناقضة مع ابسط قواعد التشريع في العالم، والتي لا تنسجم الا مع منطق وخيار جماعات التكفير الارهابية وعلى رأسها جماعة الاخوان المسلمين، هو قانون الجلد وقطع اليد وغيرها من الوسائل الدموية البائدة والظلامية. الذي يتناقض مع روح العصر والنظام الاساسي الفلسطيني (الدستور) وقوانين حقوق الانسان الاممية.

القانون القديم الجديد، ليس وليد اللحظة، ولم يأتِ كردة فعل او قفزة في الهواء، انما هو انعكاس لعقيدة ومنهجية حركة الاخوان المسلمين في ارجاء الدنيا في التعامل مع الشعوب حيثما تولت او يمكن ان تتولى او تختطف الحكم في هذا البلد او ذاك. ويعكس بوضوح لا لبس فيه، ان تلك الحركة في فلسطين او غيرها لا تؤمن بالقوانين الوضعية ولا بالدساتير ولا بحقوق الانسان. وتعمل على اعادة التاريخ والشعوب الى الخلف مئات وآلاف السنين لنشر الافكار والقوانين الظلامية والرجعية من خلال ممارسة ابشع اشكال الاستبداد والارهاب ضد المواطنين والقوى السياسيية والاجتماعية والثقافية التنويرية على حد سواء.

المؤسف في الامر، ان القوى السياسية الفلسطينية في محافظات الجنوب، لم تتخذ موقفا مبدئيا وواضحا وحازما من القانون الحمساوي، بل تعاطت مع الابعاد الجانبية، التي يمكن ان تنجم عنه. والسبب يعود للآليات، التي اتبعتها تلك القوى مع الانقلاب منذ البداية، حيث تلبست دور "الصليب الاحمر" و"الوسيط" بين الانقلابيين والقيادة الشرعية او مع قيادة حركة فتح، وتخلت عن دورها وسياساتها وخلفياتها الفكرية والاجتماعية والثقافية والقانونية والاخلاقية. وهو ما يعكس رؤية قاصرة في ادراك الاخطار الناجمة عن الانقلاب وسياسات جماعة الاخوان المسلمين فرع فلسطين. وبقيت فصائل العمل الوطني وخاصة قوى اليسار، تمني النفس بفرضية خاطئة، تقوم على ركيزة، ان حركة حماس "جزء لا يتجزأ" من المشروع الوطني؛ وان قضية الانقلاب "تحتمل الصواب والخطأ"! لأن ما حصل لا يعدو أكثر من "تقاسم نفوذ وحصص" بين الفصيلين الاكبرين فتح وحماس! وهنا الطامة الكبرى، لان ما ترتب عليها لاحقا، عكس عملية تساوق وتسويق للانقلاب، من خلال التعامل "الايجابي" مع قيادته، والخضوع لافرازاته السياسية والقانونية والتنفيذية.

الرؤية الخاطئة لقوى منظمة التحرير مع الانقلاب الحمساوي، تفرض مجددا عليها مراجعة مواقفها السابقة، ان شاءت القيام بدورها الوطني الصحيح، والمدخل الأمثل لذلك، هو التصدي للمبدأ والمنهجية، التي تنتهجها حركة حماس في ادارة شؤون العباد في محافظات القطاع، واتخاذ موقف صريح وواضح من الانقلاب الاخواني، ورفضه من حيث المبدأ، ورفض التعامل مع افرازاته وتداعياته، واغلاق دائرة النقاش جذريا بنظرية المحاصصة غير المنطقية، ووضع آليات وبرنامج عمل جديد يتناسب وروح المشروع الوطني، واعادة الاعتبار للهوية والشخصية الوطنية تحت راية الشرعية الفلسطينية.

الوقت لم يفت، وبامكان القوى السياسية استعادة العافية الوطنية، ان شرعت في الخروج من نفق ودائرة "الصليب الأحمر" و"العلاقات العامة"، وتمثلت دورها التاريخي كحاملة للمشروع الوطني.