من الطبيعي أن تبذل الجهود المكثفة، جهود اللحظة الأخيرة لإنقاذ عملية السلام في الشرق الأوسط من الانهيار الكامل، ومن الطبيعي أيضاً أن تبحث عقول الأطراف المعنية عن حلول واقتراحات وصيغ تعيد المفاوضات إلى الحياة، ووضعها من جديد على السكة الصحيحة، لأن التسليم بالفشل له تبعات وتداعيات صعبة على الجميع رغم كل الادعاءات المغرقة بالعنصرية والسخف التي سمعناها من جوقة الائتلاف الإسرائيلي التي يقودها نتنياهو، وخصوصاً وزير الاسكان الذي طالب ببناء أربعة آلاف وحدة سكنية جديدة رداً على القرارات الفلسطينية، أو وزير الاقتصاد رئيس حزب البيت اليهودي نفتالي بينيت الذي أطلق تهديدات تدل على عقله المضطرب، أو شطحات سيلفان شالوم ومن على شاكلتهم، فهؤلاء يلعبون بالنار لأن عقولهم الضيقة لم تتعود البحث عن حلول أخرى، وليس عندهم تجارة يجيدونها سوى تجارة الحقد والكراهية والدماء والخراب.

من المهم بالنسبة لنا أن القرارات التي وقعها الرئيس أبو مازن هي جزء من حقنا المشروع، وهي معلنة أصلاً وليست مفاجئة، وهي نتيجة طبيعية لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في نهاية 2012، وهي مدروسة بعناية، وهي ليست طروحاً عن المفاوضات، وليست مطبقة مع المفاوضات، ولكنها حافز أساسي لأن نستأنف المفاوضات على مرجعيات صلبة وواضحة تقود إلى نجاح حقيقي ممكن، وبدل أن تظل المرجعيات تائهة وغامضة ويفسرها كل وزير إسرائيل، أو كل زعيم حرب إسرائيلي أو كل قائد مجموعة استيطانية أو مسؤول كل خلية إرهابية مثل خلايا تدفيع الثمن، على هواه، يكون لدينا نحن الطرفان الفلسطيني والإسرائيل، ومعنا الراعي الأميركي، وكل مفردات المجتمع الدولي بمرجعية محددة، وواضحة، يحتكم إليها، وعندما نصطدم بالعقبات نعود إليها! مرجعية مثل الإعلان رسمياً أن المفاوضات تدور حول حدود الرابع من حزيران عام 1967 بما فيها القدس الشرقية التي هي أرض فلسطينية محتلة، تحت هذه المرجعية يمكن لخطوات التفاوض أن تكون موضوعية ومفيدة وتتقدم بنا تدريجياً نحو الحل النهائي!!! وتحت هذه المرجعية يمكن للإدارة الأميركية أن تصبح قادرة فعلاً، وشجاعة فعلاً إلى حد أن نحدد الخلل ومن المسؤول عن هذا الخلل، دون العودة إلى الهروب الذي نراه بتصريحات أميركية تجعل القاتل والقتيل في كفين متوازيين! وفي هذا السياق لا أعرف كيف قبل جون كيري الذي لقي من الجانب الفلسطيني إشادة ومدائح لم يحلم بها، أن يدلي بتصريحه الأخير الذي يتهم فيه الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي بأنهما قاما بخطوات منفردة غير مفيدة! أين خطواتنا المنفردة؟ هل نحن الذين رفضنا استلام الدفعة الرابعة من الأسرى؟؟؟ هل نحن الذين كنا نواجهه في كل زياراته بقرار استيطاني استفزازي؟؟؟ هل نحن الذين رشقناه بتصريحات مهينة كما فعل يعلون وبقية أعضاء جوقة الائتلاف الإسرائيلي؟

ورغم ذلك كله، فإننا نفتح عقولنا بانتباه شديد إلى كل جهد حقيقي ومخلص ومفيد لإنقاذ عملية السلام من الانهيار، لأن ثمن هذا الانهيار هو ثمن فادح للجميع، وخاصة في منطقة شديدة السيولة، وسريعة الاشتعال، ومتداخلة في الرهانات، ولا يستطيع أي طرف فيها أن يدعي أنه بعيد عن النيران.

الجهود التي تبذل حثيثاً هذه الأيام، هي دلالة على الحرص وتحسباً للتداعيات الأسوأ، وكل طرف من أطراف اللعبة معني بأنه يعيد ترتيب الصفوف والأولويات، هذا مطلوب من نتنياهو، لأنه لا يمكن الاعتماد على الرداحين في ائتلافه، فهؤلاء هم أول من يهربون من المساءلة إذا وصلت الأمور إلى حافة الهاوية، وهذا ما هو مطلوب من الحالة الفلسطينية، خاصة وأن حركة حماس تواجه الآن لحظة الاختيار الخانقة لتحديد موقعها بشكل قاطع، هل هي جزء من الحالة الفلسطينية، وما هو دورها، أم أنها ما زالت مستلبة الإرادة من قبل الرهانات الأخرى؟ لقد صعد الرئيس أبو مازن بالحالة الفلسطينية، بالحقوق الفلسطينية إلى ذروة الاشتباك السياسي، وكل المراهنين على صورة أخرى باءوا بالفشل والخيبة، كبارهم وصغارهم على حد سواء، وأثبت الرجل أنه بحق رأس الشرعية الفلسطينية الذي يقاتل دفاعاً عن حقوق شعبه بشراسة، فما هو رد حماس؟ هل لديها مناورات أم أنها ربطت نفسها نهائياً دون أي طريق العودة مع رهانات التنظيم الدولي للأخوان المسلمين ومعاركه البائسة التي لا تزيده إلا عداءً مع الأمة واندحاراً عن إمكانيات البقاء وارتباطاً بالمخططات المعادية التي يدور في فلكها العديد من الصغار دون أن يتمكنوا من الإفلات من الجاذبية؟

لأنه دون إشارات واضحة من حماس في هذه الأيام، فإن الحديث عن المصالحة أو الحديث عن مجلس وطني ولجنة تنفيذية جديدة تشارك فيها حماس يصبح نوعاً من اللغو الذي لا ثمن له.

لقد رأينا جمعياً بوضوح لا تشوبه رتوش أن هذا الانقسام أصبح عبئاً على حماس وعلى شعبنا في قطاع غزة وعلى قضيتنا، هذا الانقسام أصبح مجرد كارت أصفر يلوح به الأعداء والعملاء، والحالة الوطنية الصاعدة لأن تجسد أعلى فرصة ممكنة للتخلص من هذا اللانقسام، والمشاركة من قبل كل الأطراف في حالة الصعود الفلسطيني، ومن لا يصعد إلى القطار الآن قد يبقى ضائعاً إلى زمن طويل، وضياعه خارج الشرعية الفلسطينية، وخارج الحالة الفلسطينية الصاعدة قد يجعله يرعى هنا وهناك بأبخس الثمن.