هيفاء داوود الأطرش

إن كافة منظمات حقوق الانسان الدولية، تجمع على أن النزاعات المسلحة والاضطرابات السياسية العنيفة والأزمات العالمية تؤدي إلى انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ؛ حيث تشتد الحاجة إلى حماية الأفراد الموجودين في تلك المناطق وحماية حتى المدافعين عن حقوق الإنسان في هذه الظروف ، ودعم قدرة هؤلاء المدافعين عن حقوق الإنسان على مواصلة العمل وحمايتهم من المخاطر.

وتشير إحصائيات الأمم المتحدة إلى أن النساء والاطفال يشكلون 80% من ملايين اللاجئين على مستوى العالم.

ويعتقد الكثير ممن يتعرضون للتهديد في حياتهم وحرياتهم ، أن الهروب إلى بلد آخر، هو السبيل الوحيد للحصول على الأمان وبالتالي انتهاء مشاكلهم؛ لكنهم يدركون فيما بعد أنهم عرضة انتهاكات جديدة  ؛رغم فرارهم من بلدانهم  لأسباب عديدة، منها: الاضطهاد والقمع والإنتهاكات السافرة لحقوق الإنسان والتي تحدث أثناء الحروب أو الصراعات المسلحة أو حتى في حالات السلم.

وتعاني النساء في سوريا معاناة مضاعفة، كونهن ضحايا وأدوات حرب معاً كما وثقت منظمات حقوق الانسان، وهنا تـُعتبر حماية السكان المدنيين ومن بينهم النساء والأطفال خلال النزاعات المسلحة ذات أهمية بالغة، وهم يشكلون الأغلبية الساحقة من الضحايا، لذا فقد جدد مجلس الأمن الدولي في قرار صدر عنه، إلتزامه بحماية المدنيين في النزاعات المسلحة ومواصلة التنفيذ التام لجميع قراراته ذات الصلة، والمتعلقة بالنساء والأطفال والسلام والأمن والنزاع المسلح وحفظ السلام. وشدد على أن الدول تتحمل المسؤولية الرئيسية عن حماية المدنيين واحترام حقوق الإنسان. وكفالتها لجميع الأفراد رجالاً ونساء الواقعين داخل أراضيها والخاضعين لولايتها ، وضرورة إنهاء ظاهرة الإفلات من العقاب على الإنتهاكات الصارخة للقانون الدولي الإنساني ،والقانون الدولي لحقوق الإنسان.

ومن الآثار الناجمة عن تعرض المرأة في سوريا لتلك الانتهاكات هي معاناتهن من أزمات نفسية وصحية قد تلازمهن طيلة حياتهن، فكثير منهن يلدن قبل موعد الولادة بسبب العنف ، وحينما تنفد الإمدادات الغذائية أو تقل يعانين أشد المعاناة من الجوع وفقر الدم كما حصل في مخيم اليرموك.

ونتيجة المعاملة المهينة واللاأخلاقية والعنف الجنسي والتهديد به أثناء الإعتقال أو الاجتياحات العسكرية للمناطق أثناء الكر والفر،ستبقى أعداد النساء الهاربات للخارج في تزايد مستمر؛ وهذا هو الوقت الذي تكون فيه أفراد الأسرة قد انفصلت عن  بعضها البعض. وهنا تجد النساء أنفسهن أمام مسؤوليات جديدة وأعباء كبيرة وإضافية بوصفهن لاجئات كإعالة أسرهن، وتلبية احتياجاتهم .

وبعد انتقال المرأة إلى محطة لجوء قسرية ، فإنها تتعرض للاستضعاف في كل مراحل اللجوء المختلفة؛

مما يستدعي تسليط الضوءعلى كل الانتهاكات التي تتعرض لها اللاجئة أو النازحة، ووضع الحلول أو الإجراءات اللازمة التي تحفظ حقوقها الكاملة وخاصة التي كانت تستحقها أو تنادي بها وهي في بلادها قبل الأزمة .

وإننا نجد أن المرأة اللاجئة تزداد معاناتها التي كانت بالأصل وقت السلم ،وهي ممارسة العنف الأسري ضدها والذي يزداد خلال الهجرة وبعدها ، خاصة أن المرأة في مجتمعنا هذا تعتبر دائماً تابعة للرجل في اللجوء،أيضاً نلمس التقديرات الخاطئة في أن الاضطهاد أثناء الحروب يقع على كل الاجناس  بذات الدرجة دون تحديد النوع. رغم أن أسباب وظروف اللجوء المرتبطة بالنساء، تختلف عن تجربة الرجال، كما أن آثار اللجوء على النساء والفتيات تختلف عن آثارها على الرجال والصبية ولا يمكن الإفتراض بأن مشاكلهم واحتياجاتهم متطابقة، رغم معاناة كل الأنواع ولكن كل بشكل يختلف عن الآخر.

وفي أماكن اللجوء تستيقظ المرأة المهجرة من سوريا سواء حاملة الجنسية أو الفلسطينية، على واقعها المرير فلا عائلة تحت سقف واحد، ولا حياة مستقرة وأحياناً كثيرة فقدان المعيل أو معظم أفراد العائلة ، حياة تتهددها كل الظروف المحدثة والجديدة، وتجعلها مرهونة بتفاصيل حياة اللجوء بدءاً من معاناة الحدود، وانتهاءً بصعوبة التمتع بأدنى الحقوق ، من مستوى مناسب من المعيشة والخدمات والحق في التعليم والعمل.

ولقد اضطرت المرأة النازحة الفلسطينية وعائلتها مثلاً للعيش في مكان غيرصالح للسكن البشري كالمقابر والبركسات والخيم ومستودعات خاصة بالبضائع التجارية ، حتى لو توفر لها السكن الطبيعي فهو يعج بأكثر من عائلة ،فقد وصل عدد العائلات إلى خمسة، أي حوالي 30 فرداً في منزل واحد بغرفتين أو ثلاث؛ حيث تفقد العائلة الواحدة استقلاليتها وخصوصيتها، وهذا ما يولد ضغوطات نفسية ومشاكل اجتماعية وصحية لا نهاية لها ، خاصة في ظل الظروف النفسية الواقعة على الجميع، ومما يزيد الطين بلة تعرض المرأة لمزيد من العنف من قبل الزوج المعنف لزوجته بطبعه المعتاد قبل الهجرة . وقد شهدنا حالات عديدة من الطلاق أو هروب النساء من المنزل ملتجئات للمعارف أو الجيران ، وكذلك سجلت حالات انتحار بالعقاقير الطبية ، ومعظمهن من النساء من الجيل الشاب والمراهق وحتى من الذكور بين عمر 13 حتى25 عاماً وقد تم اسعافها وبعض الحالات لم يتم إنقاذها ، وإن نسبة لا يستهان بها من الجيل المراهق يفكرون بالانتحار نتيجة تدمير حياتهم السابقة التي كانت تتصف بالاستقرار في سوريا، وعدم وجود بدائل مناسبة ولو بالحد الأدنى ؛ وهذا لا ينفي وجود مشاكل خاصة سابقاً قبل الهجرة.

أيضاً شهدنا الكثير من النساء النازحات الفلسطينيات يخرجن للبحث عن عمل ، وإن وجدته فهي تقبل بأدنى شروط العمل من الأجر الزهيد وساعات العمل الطويلة وطبيعة العمل القاسية في المعامل الخاصة ، تحت وطأة استغلال رب العمل لحاجتها، أو تحت أشعة الشمس القاسية لتبيع بضاعة بسيطة لا تتعدى عدة قطع لبيعها على قارعة الطريق أو في المنازل التي تقصدها لبيع تلك القطع علها ترزق بما يسد رمق أبنائها يوما  بيوم ؛ وهناك من اضطررن للعمل في المنازل كخادمات بنصف دوام، أو ممرضات لعجائز مرضى. كل ذلك  يعيدها مساء منهارة من شدة التعب والإرهاق بالاضافة إلى الاكتئاب الملازم لها من ظروف العمل ، ومن عدم توفر الوقت  للجلوس إلى أطفالها وعائلتها وتأمين حاجاتهم اللازمة، في ظل شح المساعدات المقدمة من الاونروا والجمعيات . هذه المرأة التي اضطرت للعمل بسبب عدم السماح لزوجها أوابنها بالعمل أسوة بالفلسطيني اللبناني الذي يمنعه القانون هنا من أكثر من سبعين مهنة .

وهناك نسبة كبيرة من النساء الفلسطينيات المهجرات متعلمات وفاقدات لوظائفهن نتيجة الهجرة، وكن يـُعتـَبرن معيلات لعوائلهن وإن وجد الزوج؛ وهن مستعدات للعمل كونهن عاملات بالأصل، ويفضلن العمل على الوقوف في الصفوف الطويلة لاستلام مساعدات أو معونات رغم قلتها .

وهنا تقع المسؤولية الكبرى على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين  (الأونروا)، ومنظمة التحرير الفلسطينية ومنظمات حقوق الانسان والمؤسسات والجمعيات الخيرية والمنظمات الأهلية التي تعمل بالإغاثة الانسانية والدفاع عن حقوق المرأة والمهجرة ؛ ابتداءً من تأمين فرص للعمل وتقديم المساعدات اللازمة بكافة أنواعها والضرورية لاحتياجات المهجرين وخاصة المرأة وبرامج الدعم النفسي لها ،ولكافة أفراد العائلة ،وعلى كل المعنيين من الأونروا والمؤسسات التنسيق فيما بينها لتطبيق العدالة في مجال الإغاثة ، وتحرير العائلات المهجرة من الاستغلال الممارس من قبل الكثير من الجمعيات المسيسة.

وها هي أزمة الهجرة القسرية لفلسطينيي سوريا تتعدى السنة ولا برامج حقيقية مطبقة على الأرض، بل المعاناة بازدياد، وكثيراً ما طالبت لجنة متابعة المهجرين الفلسطينيين من سوريا إلى لبنان ، المعنيين بتمويل مشاريع خاصة انتاجية  للنساء المهجرات الفلسطينيات ، والكثير منهن قادرات على إدارة مشاريع انتاجية وتسويقها ، ولكن كانت تواجه بردود تبعد إيجاد الحلول المناسبة.

أيضاً تعاني المرأة الفلسطينية المهجرة من ذات المشاكل التي تواجه عائلتها، مثل التهديد بالترحيل في أي وقت بسبب عدم دفع رسوم الإقامة والتي تعجز عن دفعها بسبب الظروف الراهنة ،حيث تبلغ تكلفة الرسم للشخص الواحد مبلغ 225 دولاراً تقريباً، وهذا ما يحد من حركتهم كمهجرين في هذا البلد، مع العلم أن عدد كل عائلة فلسطينية يبلغ وسطياً خمسة أفراد؛ وفي هذا الصدد تمت متابعة هذا الموضوع من قبل لجنة المهجرين وعرضه على المعنيين مباشرة من الأمن العام ومنظمة التحرير الفلسطينية والسفارة الفلسطينية والأونروا وطالبتهم اللجنة  بمحاولة الاتفاق مع الأمن العام اللبناني من أجل إعفاء هؤلاء المهجرين من دفع رسوم الإقامة ليكون وجودهم قانونياً، أو دفع الأونروا كل المبلغ المترتب على قرابة العشرة آلاف عائلة فلسطينية مهجرة من سوريا، ولا زالت المحاولات في هذا المجال خاصةً بعد تسجيل حالات كثيرة  من توقيف المهجرين على الحواجز الأمنية واحتجازهم بسبب مخالفة الإقامة. وهذا عبء إضافي يقع على كاهل المرأة المهجرة التي تبقى ضحية مثل هذه الضغوطات وتحت هواجس فقدان من تبقى لها من عائلتها بعد الهجرة خلف قضبان السجن بسبب مخالفة الإقامة .

ومن الانتهاكات التي يطبقها بعض القائمين في بعض المؤسسات أوالجمعيات الخيرية والتي تتعرض لها المرأة وعائلتها هي رهن المساعدة أو الإعانة الإغاثية قيد موقفها السياسي تجاه الأزمة السورية أو السياسي الفصائلي الفلسطيني، وكثيراً ما طـُردت المرأة  المهجرة أوأحد أفراد عائلتها من على أبواب بعض تلك المؤسسات أو الجمعيات التي يفترض أنها تأسست من أجلها، وكثيراً ما أهينت  كرامة تلك المرأة من إلقاء الشتائم والطعن بشرفها، فقط لمجرد طلبها المساعدة التي تقدمها تلك المؤسسة عادة.ولقد تم  رفع الشكاوى لأولئك المعنفات من قبل تلك المؤسسات الممثلة بأفرادها ،لذوي الشأن من المسؤولين ، وتم حلها ولو جزئياً حسب نوعية كل مشكلة مطروحة.

لكن تبقى المرأة المهجرة من سوريا أوعائلتها رهناً للاستغلال المرفوض من قبلنا ، وهنا ندعو كل تلك المؤسسات أن تقف عند مسؤولياتها الانسانية الخالصة دون ربطها بالمواقف السياسية .

وتعاني المرأة الفلسطينية المهجرة وعائلتها من احتدام الوضع الأمني الخطير في بعض المخيمات الفلسطينية في لبنان، مثل عين الحلوة، حيث لا حياة آمنة لها، وقد هجرت عدة مرات من مكان سكناها في المخيم أثناء الاشتباكات المسلحة المندلعة ، وتعرض بعض سكنى المهجرين للاحتراق دون تعويضات كافية بحجم الخسائرمن المتسببين بالاشتباكات، ولا تزال تعاني هذا الوضع رغم دعوات ومحاولات منظمة التحرير الفلسطينية لحل هذه المشاكل وفض هذه النزاعات.

وعلى الجهات المعنية والقانونية توفير كافة التدابير والإجراءات من أجل حماية المرأة المهجرة وعائلتها من انتهاكات لحقوقها ، لحين انتهاء أزمتها وإيجاد الحلول لها .