محمد سرور

تستغل سلطات الاحتلال الإسرائيلي حالة انعدام الوزن والتصعيد الدموي في العديد من البلدان العربية، إضافة إلى احتدام المواجهة بين روسيا والغرب بسبب ضم الكرملين شبه جزيرة القرم- ذات الغالبية الروسية على البحر الاسود.

لم تكد آلة العدو العسكرية توقف عدوانها على قطاع غزة حتى ضربت من جديد في الجولان السوري - حسب إدعائها رداً على عملية للمقاومة قتلت ضابطاً وأصابت عدداً من الجنود، واستطراداً أعدم جنود الاحتلال ناشطاً فلسطينياً، ثم ثلاثة ناشطين آخرين في جنين بالضفة الغربية المحتلة.

مقابل ذلك، أعلنت إسرائيل عن خطة لبناء أكثر من 12000 وحدة استيطانية في الضفة الغربية والقدس، تبدأ ببناء 2000 وحدة في الضفة الغربية.

هذا من جهة، أما من الجهة الثانية فإن الرضوخ الاميركي لضغوط الحكومة الاسرائيلية من خلال اقتراح " اتفاق الإطار الذي قدمه وزير الخارجية الاميركي إلى الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني هو بمثابة تحريف خطير لمبدأ المفاوضات على قضايا الوضع النهائي والمحدد بـِ " الحدود- القدس - المستوطنات - اللاجئين - المياه والأمن" وبالطبع إضافة إلى الاسرى خاصة المعتقلين منذ ما قبل اتفاق اوسلو، والقادة الثلاث البرغوثي وسعدات والشوبكي، ومعهم المرضى وكبار السن.

الخبير الدولي في مجلس حقوق الانسان للأراضي الفلسطينية الأميركي - اليهودي ريتشارد فالك كان الأكثر دقة في تعريف الممارسات الإسرائيلية المعتمدة تجاه الأرض والإنسان الفلسطيني.

ففي تصريح للخبير الدولي أعلن أن " الواقع على الأرض يتفاقم من وجهة نظر القانون الدولي أو من وجهة نظر الشعب الفلسطيني"

فاتهم فالك اسرائيل " ببذل جهود منهجية متواصلة من أجل تغيير التركيبة العرقية في القدس الشرقية وبالإفراط في اللجوء الى القوة والعقوبات الجماعية في قطاع غزة وتدمير المنازل وبناء المزيد من المستوطنات"، وبالطبع تدنيس المجندات الصهيونيات للمسجد الاقصى.

وأكد الخبير الدولي أن ما سبق " يعتبر شكلاً من اشكال التطهير العرقي... وما كنا نسميه احتلالاً أصبح اليوم يفهم أكثر فأكثر على أنه نوع من الضم والإلحاق... إنها قاعدة نظام  فصل عنصري، بمعنى ان هناك نظاماً مزدوجاً يقوم على التمييز"

من هنا يجب النظر الى مقترح وزير الخارجية الاميركي على أنه قفزة خطيرة باتجاه شرعنة الممارسات الإسرائيلية وتعويم المعنى الدقيق لتعريف السلوك العنصري لحكومة غالبية أعضائها- حسب وصف الرئيس محمود عباس -  يرفضون إقامة دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل.

خلال زيارة الرئيس الفلسطيني الأخيرة إلى واشنطن كان واضحاً - وبالطبع كالعادة - انحياز الإدارة الاميركية للشروط الاسرائيلية التعجيزية. لأن الواضح حتى الآن أن السيد أوباما يستسيغ الحيلة الإسرائيلية حول مفهوم الدولتين،"دولة فلسطين إلى جانب دولة إسرائيل اليهودية" لماذا المقولة حيلة، وما مدى خطورتها؟

بالمنطق، لكل بلد حريته بانتقاء شكل النظام السياسي الذي يناسبهُ وخاصة إسرائيل، التي تدعي عراقتها في ممارسة الديمقراطية، ومع ذلك تريد من الجانب الفلسطيني تلبية مطلبها بتحديد هوية نظامها... أي عاقل يسمع المطلب الإسرائيلي ولا يعتبره فخاً يطال البعد الوجودي للشعب الفلسطيني في ارجاء تواجده كافة؟

وإذا حصل الاعتراف الفلسطيني  - لا سمح الله  - تصبح الجغرافيا الفلسطينية كلها تحت رحمة التعريف الإسرائيلي - الأميركي للقرار الدولي 242، الذي يتحدّث عن اراضٍ محتلة – عام 67"  وبالتالي يصبح ترسيم الحدود وتحديد هوية القدس الشرقية جزءاً من مفهوم كلمة  "أراض" بدل كلمة "الأراضي"

من جهة ثانية يصبح لإسرائيل - الدولة اليهودية الحق في اسقاط فلسطينيي العام 1948 ضمن أي اتفاق لتبادل الأرض، مما يؤدي بالنتيجة إلى إنتاج جريمة إنسانية يكون الفلسطيني فيها شريك العدو في محصلتها، مما يجعلها تمر وبشكل عادي أمام الرأي العام الدولي ودون سلطة للقوانين الدولية على وقفها.

أضف إلى ما سبق يكون من تحصيل الحاصل تحقيق المطلب الإسرائيلي بإعادة اللاجئين الى أراضي دولتهم "فلسطين" أو منحهم حرية اللجوء إلى البلد الذي يختارونه - وبالطبع باستثناء بلدهم الام فلسطين التاريخية.

من حقنا أن نضع مقياساً تقليديا لنظرية الدولة الفلسطينية من وجهة النظر الاسرائيلية لكي نفهم بالتالي عن أي دولة يتحدثون وما هي مقومات تطورها ونهضتها واستمرارها اذا كانت الحكومة الاسرائيلية تشدد على عبارة "القدس الموحدة عاصمة اسرائيل الى الأبد" وإذا كانت تعتبر أن منطقة الغور تشكل حاجة استراتجية لأمنها، وان الكتل الاستيطانية سوف تبقى تحت السيادة الإسرائيلية اضف الغموض المتعمد حول ادعاء اسرائيل ان الهدف الامني كان وراء بناء جدار الفصل، فيما واقع الحال يشير الى كونه حدوداً تريدها اسرائيل ثابتة، ومساحة الضفة الغربية والقدس لا تساوي اكثر من 6000 كلم2، وعدد الفلسطينيين في الضفة وغزة اقفل منذ نهاية العام الحالي على الرقم 5،4 مليون نسمة. على كم مما تبقى من مساحة الضفة الغربية يريد الاسرائيليون اقامة الدولة الفلسطينية؟هذا الامر مرهون ايضاً بتجديد هوية ودور الكيان الفلسطيني حسب فهمهم لدولة فلسطين.

ورغم ما يصيب الوضع الفلسطيني من انشطار عامودي على مستوى غزة والضفة، وما يتراكم من قضايا وأعباء انسانية ومعيشية في اصقاع الوجود الفلسطيني من الضفة وغزة الى سوريا ولبنان، فان الصهاينة يصرون على تعريف الرئيس محمود عباس بصفته الاكثر خطورة وعداءً لإسرائيل، لان الدبلوماسية الناعمة التي اعتمدها منذ خلافته الرئيس الشهيد ياسر عرفات، كان لها فعل تعرية وحشر الدبلوماسية الإسرائيلية وتحطيم الذرائع التي ولم تزل تبرر منهجيتها العدوانية.

وإذا كان الفلسطينيون في هذه الفترة من تاريخها بأمس الحاجة الى التماسك والوحدة، بحيث نرى في تصريح السيد خالد مشعل من تركيا-لغة سليمة – فصيحة ،لكن السؤال العادل الذي ينبغي طرحه على سيادته: ما هو حجم رئيس المكتب السياسي لحماس في حركته والى اي مدى يستطيع  تقطيب جرح الانقسام؟ من العدالة بمكان تذكير السيد مشعل بمصير ما سبق ووقع عليه من تفاهمات واتفاقات. مطالبة السيد خالد مشعل بأهمية امتلاك الأوراق لكي يصبح للمفاوضات القدرة على انتزاع مكاسب حقيقية، هو كلام دقيق وصحيح واذ يعتبر ان المقاومة المسلحة تستطيع منح مساحة فاعلية اقوى للمفاوض الفلسطيني، فإننا نوافق على كلام السيد مشعل، لكن ودون التقليل من اهمية الأمر، نسأل عن دور كتائب القسام، ولماذا تعجلت قيادة حماس بالاتصال بالمصريين من أجل الاسراع بوفق ما سمي "كسر الصمت" وبالتالي التزام تفاهمات الهدنة مع العدو؟ هل كان كسر الصمت مجرد تسجيل لمواقف لها معنى الاستثمار الإقليمي، انها كانت مجرد رد على التمادي الاجرامي الصهيوني ضد نشطاء المقاومة؟

ان مفعول المقاومة وجدواها لا يكون الا باستمرارها وبدقه انتقاء وانتخاب اهدافها التي تعفي المواطن الفلسطيني من ضريبة مضاعفة يدفعها ثمناً لرسالة يرغب هذا الطرف او ذاك في ايصالها الى مراجعه ومموليه.

واذا كان الوضع العربي أبعد ما يكون اليوم عن تقديم الدعم والمساعدة-ولو المعنوية-لفلسطين وقضيتها، فلا ينبغي العبث بهذا الركود العاطفي ومنح علاقة فلسطين بعمقها ووجدانها العربيين بعداً سلبياً يزيد من عوامل الحصار وانسداد الافاق بوجه فلسطين وقضيتها على السواء. ولا ينبغي تقديم فلسطين الى مستوى الاداة في حروب الاصطفافات والمعسكرات المحمومة في المديين العربي والإقليمي.

المطلوب جرعة زائدة من الحرص على وحدة الصف والقضية، ومعها جرعة مسؤولة تعي مدى خطورة المشروع الصهيوني الهادف الى مسح المشروع الفلسطيني العادل  والمحق بقيام الدولية الفلسطينية المستقلة على كامل الاراضي المحتلة عام 1967.

حذار من البقاء رهائن للخطب والعنتريات وتبرير الهروب الى الامام.  بالطبع هذا الكلام يخص الذين يعتقدون ان دولة فلسطين هي امارة غزة. وما يقوم به العدو الان من جرائم واستباحة لحياة الناس وحقوقهم في ارضهم ووطنهم هو دفع متعمد لتصعيد يريد من خلاله اعادة خلط الاوراق في المناخ الاقليمي –العربي المؤاتي، وكأن هذا العدو لا يعنيه نظرة العالم لأسوأ وأبشع وآخر استعمار على مر التاريخ..ما يقوم به العدو من جرائم ..لن ينقلب إلا عليه...عليه فقط.