بقلم: محمد سعيـد

خاص/ مجلة القدس، لا أعرف كيف ابدأ الكلام معك، مع انني لا أعرفك، وتفصلُ بيننا مسافة شتات وغربة يمكن ان لا تقل ألماً عمّا أنت فيه، لم يصدف ان عرفت وجهك عن قرب او بعد، فأنت في فلسطين داخل سجون الاحتلال، وأنا في مخيمات اللجوء، وهي على أي حال تشبه المعتقلات في أكثر من مكان، لم يصدف ان تراسلنا بأي وسيلة متاحة، ولكنني رغم ذلك أشعر بأنني قريب منك، أتحسس قهرك، لذلك احترت كيف ابدأ كلامي معك لأول مرة وبداخلي ألم يحول بيني وبين الكلام. أشعر بموج عظيم يلطم صدري، ويدفعني لأضرب رأسي بأقرب جدار من جدران هذه الأمة، أحسُّ بأنني أريدُ أن أركل رمل الشاطئ المترامي أمامي، تؤلمني هذه المسافة بيننا، والبوابات المغلقة بأوامر الأعداء، ما يثيرني هذا الصمت الفارغ من أمّة لم تشتهر بأكثر من الكلام، مع علمي بأنك تحتاج الى اكثر من ذلك! تحتاج الى عمل يخرجك مما انت فيه، ولكن " فليسعف النطقُ إن لم يسعف الحال"؟! غريب ومدهش هذا الموات، رغم أنني أشعر بجفاف هذا الواقع الا أنني  أحس بكبر واعتزاز بروحك الناهضة، وهمتك العالية، بخضرة أيامك رغم خريف أيامنا، بربيعك المزدهر داخل السجون؟! كم من الأسلاك تنهار؟ كم من الغرف المعتمة تضاء بنجومك؟ كم من الزنزانات ضاقت بصدرك كلما تنفّست عبق الحرية؟ لا يمكن لأي لغة ان تعبّر عن مشاعر وأحاسيس أم ترفع صورةً لك أو لغيرك، لابن أو ابنة أو أكثر من أبنائها المعتقلين داخل سجون الاحتلال. لا يمكن لأي لغة ان تحلّ محلّ دمعاتٍ تتدحرج على وجنات الأمهات والزوجات والآباء والأخوات؟! هم يرفعون صوركم قرب المقرات الدولية أمام الملأ، وهناك من ينظر اليهم من خلف الشبابيك والستائر بعيون الجرذان، ما نراه من تصميم وتحدٍّ أصدق من أي كلام. كم عذّبتم العدو بصومكم، كم تحدّيتم صلفه وبطشه وقراراته الجائرة. إن العذابات والمشقات التي يتحملها الأهلون في الطرقات للحصول على إذنٍ بالزيارة، لأبلغ وأعقد وأهم من لغات العالم كله، أصبحنا نشعر بالخجل لأننا لا نستطيع ان نقدم لكم شيئاً، فيما انتم تقدمون لنا وللوطن ما يفوق كل احتمال وكل تصور! بطولاتكم داخل السجون خارقة! ربيع الأسرى داخل المعتقلات أجمل من أيامنا؟! لم تعد القوانين والمواثيق الدولية ذات قيمة أمام الظلم اللاحق بكم، لم يعد العالم بأسره يقوى على حماية تشريعاته أمام عدو متغطرس فاقد للأخلاق والقيم، يتهمونكم بالإرهاب لأنكم انتفضتم على المحتل! فهم المجرمون، يطلقون عليكم أحكاماً ومؤبّدات ليقتلوا الأمل فيكم، يصرخون في وجوهكم لكي تهدأوا وتبتلعوا غضبكم وتخافوهم، وهم الخائفون، يريدون ان يوهنوا من عزائمكم، لكنهم ينسون ان في أرواحكم شآبيب وبراكين لا تنطفئ، ولا تندمل، ولا يمكن كبحها، ينسون ان هذه الأجساد النحيلة التي تقاوم الدفقات الضاغطة بجَلَدٍ وعناد لا يمكن ان تسقط الى الوراء، ينسون ان في نفوسكم اسراباً من الآمال المتدفقة التي لا يمكن ان تموت، ينسون أنه ليس بالطعام وحده يحيا الإنسان؟! وقد أثبتم ذلك مراراً، أثبتموه مع خضر عدنان، وهناء شلبي، وما يفعله اليوم العشرات والمئات منكم لخير دليل على قوة عزيمتكم، وإصراركم على معاني الحرية والحياة، وعلى حضوركم، وإنه لا يمكن شطبكم وتغييبكم في ظلمات السجون.

بأي الكلام تريدني ان أحييك، بأي نهار مشمس تريدني ان ارفع أحلامك وآمالك، بأي قلب أخضر تريدني ان افتخر بك، بأي روحٍ ملونة وأي قلم تريدني ان ارسم صورتك في البوم الذكريات وأنت الأجمل والأبهى والأعظم.