بقلم رفعت شناعة

امين سر اقليم حركة فتح/ لبنان

خاص/ مجلة القدس، احتفى شعبنا الفلسطيني في الداخل والشتات ومعنا الأصدقاء والمتضامنون الذين وصلوا إلى فلسطين أو الذين لم يُسمح لهم، أو الذين تم الاعتداءُ عليهم علناً، فالاحتلال الإسرائيلي يخشى اليوم حتى الأصوات الأوروبية التي تنادي بالحرية للشعب الفلسطيني. فحكومة نتنياهو تمارس عملية الحصار، والخنق، والعزل متجاهلة أنّ هذا الشعب المحتلة أرضه له تاريخ وجذور، وله ماض وحاضرٌ ومستقبل، وله حقوق وثوابت، وله تراث وحضارة.

نتنياهو الذي يتزعم ائتلافاً حكومياً متطرفاً يمارسُ العنصريةَ البغيضة بكل أشكالها، وما يحلمُ به ليلاً ينفذه صباحاً، وهو قادر على التنفيذ بحكم كونه يمتلك عناصر قوة الأمر الواقع، ويتم ذلك دون أية مساءلة أو  محاسبة، وعلى العكس تمامًا فكلما تمادى نتنياهو بارتكاب الجرائم يبرز المتحدثون الأميركيون  ابتداء من أوباما ومروراً بكلينتون وديفيد هل، والحبل على الجرار بالتأكيد على أمن إسرائيل والعلاقة الإستراتيجية معها، وكأنَّ الاحتلال الإسرائيلي دولة مسكينة لا حول لها ولا قوة، وهذا بالتأكيد عُهرٌ سياسي، وأكثر من ذلك تحدٍّ صارخ لمشاعر الفلسطينيين والعرب والمسلمين.

يحلم نتنياهو في كل ليلة أنه يسرقُ أرض الفلسطينيين التي منحهم إياها أجدادهم منذ الكنعانيين واليبوسيين، والتي أكدت عليها الشرعية الدولية، لكنه عندما يستيقظ يأخذُ القرارَ ببناء المستوطنات أينما يحلو له وخاصة في القدس الشرقية، ففي كل يوم هناك عطاءات جديدة ، وأحياناً يشتد الكابوس الفلسطيني عليه فإذا ما استيقظ يأخذ القرار بهدم بيوت الفلسطينيين متذرعاً بحجج واهية، وترى الفلسطيني المسكين ينظر إلى آلة الدمار تهدم ما بناه طوال حياته له ولأبنائه ، وخلال لحظات تتحول البيوت إلى ركام، والفلسطيني لا حول له ولا قوة، بكاء ودموع، وحسرات وآهات، وأحياناً صرخات وشتائم، لكن الأمر انتهى وعليه أن يبحث عن خيمة يكمل حياته فيها.

وعندما يصل به الأمر إلى قمة التطرف والحقد الأسود يتعمَّد تدمير وحرق المساجد، ويدفع بالمستوطنين لارتكاب هذه الجرائم بحماية من الجيش.

وفي بعض الليالي يحلم بأن الشعب الفلسطيني يجب أن يكون في السجون والمعتقلات، وأن لم تتسع لهم، فيجب وضعهم في سجون كبيرة خلف الجدار، أو بين المستوطنات، أو تحت سياط الإجراءات الأمنية الكفيلة بإقصائهم، وتهجيرهم. فالدولة بنظره يجب أن تكون يهودية، وعلى الفلسطينيين أن يعترفوا بذلك أي أن يضعوا رقبتهم تحت المقصلة.

نتنياهو اليوم هو على رأس حكومة يمكن وصفها وبدقة أنها عصابة، قادتها تربَّوا على مزابل العنصرية، ومواخير السقوط الأخلاقي المدوي، وهم الآن يمثلون الكيان الإسرائيلي، وهم الأقدر على تمثيله لأنه كيان قام على المجازر، والإرهاب، وتقويض الحضارة الإنسانية، وتدمير الحقوق.

نتنياهو لا يعطي اهتماماً لعملية السلام وإنما جعل منها درجة للوصول إلى أهدافه، وخادعَ وضلَّل العالم. ووصل به الأمر حتى إلى المماطلة في تسلُّم رسالة القيادة الفلسطينية التي يشرح فيها الرئيس أبو مازن المتطلبات الأساسية التي يجب على الإسرائيليين الالتزام بها، وإذا لم يلتزم فإن الخيارات مفتوحة أمام الشعب الفلسطيني.

والسؤال الذي يطرح نفسه علينا جميعاً هو كيف نكون أوفياء للأسرى الأبطال الصامدين في المعتقلات والزنازين؟

أولاً: علينا أن نجدد العهد والقسم بأننا سنظلُّ أوفياء لشهدائنا الأبرار ولأسرانا البواسل، لعلَّ هذا القسم ينقي نفوسنا من الأدران والخبائث التي علقت بها عبر السنوات الماضية بحيث أصبحنا نرى الباطل حقاً، ونتلذذ بالحرام بدلاً من الحلال، وأصبحنا نبحث عن لذاتنا وذواتنا، ونجيز لأنفسنا ما ليس لنا. وبالمناسبة شكراً وتحية للأخ أبو شاكر رفيق النتشة الذي يترأس لجنة مكافحة الفساد بتكليف من الرئيس أبو مازن، الشكر له على دوره المميَّز، وعلى جديته المشهودة، وعلى أمانته المعهودة، وعلى جرأته المعروفة، نتمنى أن يكون هناك أبو شاكر في كل ساحة وإقليم من أجل أن تعود حركة فتح إلى سابق عهدها، ومن أجل أن نضع النقاط على الحروف، وأن نقول للظالم أنت ظالم.

ثانياً: علينا أن نتجاوز النظرية إلى التطبيق، ترانا من أمهر المنظِّرين، وإذا ما تطلب الأمرُ جهداً وتضحية، وتنفيذاً، سرعان ما تتبدَّل الأمور، ويختفي المنظِّرون، أو يلتحقون بالمشككين والمحرِّضين، فهم لا يريدون خيراً لشعبهم، ولا يسمحون لغيرهم أن يفعلوا خيراً، وعند صرف الرواتب تراهم يقتحمون الصفوف ولا يخجلون، وعندما تشتد الأزمة يختفون. فهل نمتلك المصداقية في الأقوال والأفعال إكراماً ووفاءً للأسرى؟!

ثالثاً: إنّ الأسرى اليوم يخوضون معركة الحرية وكسرِ إرادةِ السجان نيابة عنا جميعاً . ألف وخمسماية أسير بدأوا المعركة بكل ثقة وإيمان، سلاحهم إرادتهم الصلبة، وأمعاؤهم الخاوية، ومنهم من مضى عليه مضرباً عن الطعام أكثر من خمسين يوماً.

فإذا ما كان الأسرى قد حسموا أمرهم فما بالنا نحن؟ وما هو المطلوب منا حتى نكون أوفياء لهم؟

أ‌- احتضان ورعاية أسرهم، وتأمين احتياجاتهم، وإعطائهم الأولوية إلى جانب أسر الشهداء في كل القضايا والجوانب التي تهمهم كالجوانب الاجتماعية، والتربوية.

ب‌- أن تسعى الجهات المعنية بهم إلى الاستعانة بكافة الجهات القادرة على الضغط على الاحتلال الإسرائيلي لتسهيل عملية زيارات أهاليهم إليهم، وهذه هي أبسط الحقوق التي يجب أن يتمتع بها الأهالي.

ج‌- أن يتم تأمين العلاج للمرضى المصابين بأمراض مزمنة أو مستعصية، وأوضاعهم الصحية تستوجب نقلهم إلى المستشفى وتقديم الدواء اللازم، أو إجراء العمليات الضرورية. وهذه قضايا يجب إثارتها والتركيز عليها مع المؤسسات الدولية، والدول الصديقة التي لها علاقة مع الكيان الإسرائيلي وتستطيع ممارسة الضغوطات عليه.

د‌- إنَّ أي اعتصام للتضامن مع الأسرى يجب أن يكون حاشداً، وملفتاً، ومعبِّراً حتى يكون مقنعاً للاحتلال بأنَّ الشعب الفلسطيني بكل قواه ملتفٌّ حول أسراه، مستعدٌّ للتصعيد من أجلهم.

رابعاً: هم حرموا  أنفسهم من الطعام والشراب ولذة العيش من أجل الكرامة ، لكن بالإمكان ومن باب الوفاء لهم أن نقدِّم الدعم المعنوي والسياسي بأن نطبِّق وننفذ ما اتفقنا عليه في القاهرة وقطر، وما اعتمدناه سابقاً كأساس للمصالحة بعيداً عن المصالح الشخصية والحزبية، ونحن نعتبر أنّ الالتزام باتفاق المصالحة وتنفيذه هو الوفاء الحقيقي لهؤلاء الأسرى، والأمل بالمصالحة هو خير زاد و عون لهم في مقارعة  السجَّان، آن الأوان أن نكون واضحين مع أكثر الناس إخلاصاً وهم أسرانا البواسل الذين قدَّموا لنا الوثيقة الوطنية، وثيقة الأسرى بتوقيع كافة  قادة الفصائل في السجون وهي تشكل خارطة طريق لنا لإنهاء أزمة الانقسام التي دمَّرت انجازاتنا، ووضعتنا في مأزق وطني استفاد منه العدو الإسرائيلي. التضامن مع الأسرى يعني أن نلبي رغبتهم بإنهاء الانقسام.

خامساً: الأمرُ الملحُّ الآن هو كيف نستطيع الدفاع عن الأسرى وحقوقهم، ومقاضاة إسرائيل على جرائمها بحقهم، وهذا يتطلب بالتأكيد العمل على جبهة الجمعية العمومية لنيل الاعتراف بدولة فلسطين كعضو مراقب، وهذا ما يمكِّننا من اكتساب العضوية في محكمة الجنايات الدولية، ومن خلالها نستطيع إثارة الموضوع دولياً. وعلى الجبهة الثانية يجب أن تستمر مساعينا وجهودنا لنيل العضوية الكاملة من خلال مجلس الأمن، واستثمار كافة الفرص للاستفادة من التركيبة الموجودة في المجلس من أجل تعزيز جبهتنا  الفلسطينية.

سادساً: يجب إدخال سيرة الأسرى وتجاربهم ومعاناتهم في ثقافتنا التربوية والنضالية على صعيد مختلف الأجيال. فهؤلاء الأسرى هم أبطالٌ ناضلوا، وضحوا، وما زالوا، ولهم تاريخهم الذي هو مصدر اعتزاز للجميع. هكذا يمكن أن نفي الأسرى شيئاً من حقوقهم علينا.

سيظلُّ أسرنا البواسل مروان البرغوتي، واحمد سعدات، وكريم يونس وغيرهم من الإبطال  الصامدين بوجه السجَّان رمز العنصرية، والجريمة ، والوحشية، سيظلُّ كل الأسرى نجوماً تضيءُ  سماء الثورة الفلسطينية.