في اليوم العالمي للمرأة، نشرت "السفير" اللبنانية، مقالة هجينة، عن الحركة النسوية الفلسطينية، ازدحمت بمفردات التحليل الاجتماعي الاقتصادي دونما حيثيات تطرح فكرة معقولة أو واقعية. ففي ظلال التوصيفات التي ساقتها كاتبة المقالة (إصلاح جاد) يبدأ منحنى التاريخ النضالي للمرأة في النزول، منذ بدء وبسبب عملية "بناء الدولة" الذي ترافق مع "سُخط على السلطة" إذ رسمت الكاتبة صورة كاريكاتوربة لعملية النزول التي أكدت عليها، فأصبحت النساء تتحملن "تبعات" هذا "السُخط" الناجم عن فجوة اجتماعية هائلة بين "ذوي الامتيازات" وغالبية الناس المتضررة من الاحتلال. وواضح أن السيدة الكاتبة، التي اختلقت سخطاً، كانت تقصد الشريحة الصغيرة من العاملين في السلطة، التي استغلت مواقعها للتربح، ومثل هذه الشريحة لا يخلو منها أي مجتمع مستقر، ناهيك عن مجتمع في طور السعي الى الاستقلال، ولا علاقة لهذا الأمر بنضالات المرأة الفلسطينية التي لازمت الرجل على امتداد مشوار الكفاح الوطني. فلم يحظ تاريخ هذا الكفاح، باهتمام الكاتبة، ولو في فقرة بادئة للسياق. وليت أختنا الكاتبة، استدركت فيما هي تتناول تجربة الشعب الفلسطيني في عهد سلطته الوطنية؛ فأشارت الى دور المرأة في سنوات الانتفاضة الطويلة الثانية التي ما زلنا نساءً ورجالاً نكابد آثار الواقع الذي انتهت اليه. فما أن بدأت تطبيقات "أوسلو" حسب عرضها الهجين حتى ضاعت ثقافة المقاومة ونمت النزعة الاستهلاكية، وطُويَ خطاب المقاومة. ذلك علماً بأن سنوات التطبيقات الأولى لاتفاق إعلان المباديء، استغرقت ستة أعوام لا أكثر، تخللتها انتفاضة النفق، بينما مر حتى الآن نحو أربعة عشر عاماً على حال المواجهة الذي تراجعت فيه المقاومة المسلحة، بسبب عوامل ميدانية موضوعية، ولم تغب على الإطلاق، وفي السياق كله، ثقافتها ولم يكف خطاب هذه المقاومة عن اللعلعة. أما أن يكون الناس ميالين الى البناء والى الاستحواذ على مقومات حياة أفضل، فإن هذه هي طبائع البشر وطبائع المجتمعات المبتلاة بالمستعمرين، إذ لا يخلو مجتمع، من شرائح لم يحملها وعيها الى سوية التهيؤ لمقاومة أعدائها، والى التمسك بضرورة البناء كأولوية ثانية. وللأسف، كانت كل الأطياف الفلسطينية، في مقالة السيدة "إصلاح جاد" إما خلعت من فكرة الوطن الذي ينبغي تحريره، أو إنها حافظت على خطابها الوطني لكنها تحجرت، أو إنها غيّبت الديمقراطية الداخلية أو "انحرفت" فانخرطت في منظمات غير حكومية. لقد قدمت الكاتبة رواية مبهمة وناقصة، لما حدث في المجتمع الفلسطيني بسبب انقلاب "حماس" الدامي والكارثي سياسياً. فـ "حماس" التي ترفقت بها الكاتبة، هي صاحبة خطاب المقاومة الذي ترافق في غزة، مع عملية بناء ريعي لملاهي الأطفال وشق الشوارع الواسعة، وإنشاء المتنزهات والعمائر والدارات المنيفة للمتنفذين!

تعرضت الكاتبة لوزارة المرأة في السلطة، فجاءت على ذكر عناوين استراتيجيات هذه الوزارة بعد "أوسلو" وقارنت بينها، وكأن وزارة تأسست بموجب عملية تسوية، يمكن لها اعتماد خطاب مقاوم. وكأنه من الضروري في كل المراحل، أن يتطابق الخطاب الرسمي مع خطاب الوجدان الفلسطيني الذي لا يغفو ولا يتثاءب. ففي الحقيقة، لم يُستخدم خطاب المقاومة في البدايات، بشفاعة الرغبة في التحقق على الأرض، لكن الانسداد السياسي، الذي أصبح حقيقة بعد مباحثات "كامب ديفيد" في صيف العام 2000 انعكس في إجماع شعبي على ضرورة الصمود والمقاومة بالوسائل المتوافرة، وانخرطت الأجهزة الأمنية والشرطية، قبل المرأة والرجل من المجتمع، في عملية المقاومة. وبالطبع، لم يكن كل ذلك ينطلق من لا ثقافة ومن لا وعي. وخلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، شاركت المرأة بفاعلية أثارت إعجاب واحترام كل محبي الحرية في العالم، وقدمت الشهيدات. بل إن المرأة الفلسطينية، في هذه الظروف الصعبة لم تتخل عن دورها حيال المجتمع الفلسطيني في الوطن وفي الشتات، لتحقيق أهداف التمكين للمرأة شريكة الرجل وإنهاء ما تبقى من أشكال التمييز ضدها، ولإشراكها في إدارة حياة المجتمع، وذلك كله على النحو الذي لم تفعله مجتمعات مستقرة أو دول مستقلة في الإقليم وفي العالم. ولعل أهل السخط على السلطة، من فسطاط الخطاب الكاذب، هم الذين سخطوا المجتمع في غزة ليرد عليهم المجتمع بسخط "أفضل" منه!

إن ما عرضته "إصلاح جاد" من جوانب النقص أو المعاناة، يطال المرأة والرجل، وهو أمر وارد في كل بلد. وبسبب أن ثقافة المقاومة لم تتبخر وأن خطابها لم ينطوِ؛ ما زلنا في حال تعطل المؤسسات وبخاصة مؤسسة التشريع والرقابة، وهو التعطل الذي لم تكن معالجته ممكنة في ظروف الهيمنة "الإخوانية" على غزة واستمراء السلطة وتوظيفها لصالح قضايا خارج الوطن. لقد اضطلعت المرأة الفلسطينية من خلال اتحادها العام الراهن، الذي بدأ نضاله منذ العام 1965 بكل قضايا الوطن، وتعقبت معاناة أختها المرأة في أماكن اللجوء، وأسهمت من بلادنا، في عون جزء من شعبنا الذي يتعرض للموت في سوريا. لذا فإننا لا نعلم سبباً سوى حسابات خاصة وشخصية، لمحاولة شطب تاريخ النضال النسوي الفلسطيني، والتشنيع على الحركة النسوية الفلسطينية!