هناك دلائل باتت محسوسة، بأن قطاع غزة قد يتدحرج بسرعة نحو الصوملة، نحو حروب بين عصابات تسعى للاستحواذ على المواد الغذائية، وحروب بين العشائر وحماس وبين العشائر فيما بينها، برغم أن الرهان لا يزال قويًا على وعي الغزيين لمنع حصول ذلك، ولكن المشكلة الأساسية تكمن لدى حماس، التي تسيطر على القطاع، ولم تقم بأي محاولة جادة لوقف معاناة الناس، وهي بدل ذلك تلجأ للقمع والقتل وإطلاق الرصاص على ركب وأقدام المحتجين ودفع الأمور للصوملة.

كل من هم في غزة اليوم يطرحون السؤال ذاته: لماذا تواصل حماس مناوراتها البائسة وهي ترى وتلمس أنه مع كل دقيقة تمر أطفال ونساء يقتلون أو تقطع أطرافهم ومقدرات تدمر؟ بعنادها وأنانيتها الإخوانية، حماس تشارك نتنياهو أهدافه في الوصول بقطاع غزة لواقع الصوملة، والذي حتمًا سيقود إلى التهجير، وربما لتصفية القضية الفلسطينية برمتها، حماس تواصل مناوراتها وتحاول كسب الوقت لربما يطرأ أي تغير يسمح لها مواصلة سيطرتها على القطاع. لقد سئم الغزيون، وسئم معهم كل الشعب الفلسطيني، وهو يراقب مناورات حماس، رفضها وقبولها لمقترحات، ولعبة الأرقام في صفقات الأسرى، وهي لا تلتفت لأرقام الشهداء والجرحى بمئات الآلاف، ولا لتحويل غزة إلى صومال أخرى، منطقة غير قابلة للحياة.

والأكثر إيلامًا أن حماس لا تنصت لصوت الغزيين، الذين رفعوا الصوت ليقولوا: كفى للحرب والدمار وتقطيع الأشلاء وحسب، إنما هي لا تقدم لهم تبريرًا واحدًا لأسباب مناوراتها وانتظارها باهظ الثمن، ولا تكلف نفسها مواجهة جيش الاحتلال  في الميدان، فخلال الأسابيع الثلاث منذ استئناف نتتياهو لحرب الإبادة، لم نسمع أن جنديًا إسرائيليًا قد جرح، في حين استشهد وجرح الآلاف من أبناء شعبنا الفلسطيني، وتدمر بالكامل ما تبقى له من مقدرات تعينه للاستمرار في الحياة، عوضًا عن الجوع والعطش، وفقدان الأمل، وهو ما قد يقود للهجرة الطوعية بكثافة، حال فتح المجال لهم.

خلال الأيام الأخيرة، سمعنا وقرأنا أن هناك عمليات قتل داخلية، وقطاع غزة أصبح أقرب إلى أن تسيطر عليه عصابات من حماس ومن خارجها، وإذا لا سمح الله دخلنا في مأساة الثأئر والثأئر المضاد، قد يدخل القطاع في نوع من الحرب الأهلية، وحينها يكتمل مشهد الصوملة والتهجير وتصفية واقع القطاع كمكون رئيس للدولة الفلسطينية.

وصول القطاع إلى مثل هذه الحالة لن يقود إلى تصفية إمكانية أن يكون للشعب الفلسطيني دولته، بل أيضًا سيشجع نتنياهو وعصابته على المحاولة لتصفية كامل القضية الفلسطينية، عبر إنهاء الكيانية السياسية الفلسطينية الشرعية.

خلال نقاش مع صديق حول مآلات الأوضاع في غزة، ومدى تقاطع حماس المشين مع أهداف نتنياهو واليمين المتطرف الإسرائيلي، وأن هذا التقاطع حتمًا سيقودنا إلى لحظة التهجير، قال لي الصديق: الخوف أن ما يجري هو ليس مجرد تقاطع، وإنما أن يكون هناك اتفاق، وذكر بالتاريخ منذ ثلاثة عقود كيف كانت لحماس ونتتياهو مصلحة مشتركة في إفشال اتفاقيات أوسلو، وفي إضعاف السلطة الوطنية الفلسطينية، وفي كلا الأمرين نجح الطرفان في ذلك، والخوف أن نصل للحظة إنهاء قطاع غزة تمامًا، أو إبقائه مفصولاً تمامًا عن الضفة.

بالفعل من حق المواطن الفلسطيني، سواء كان في قطاع غزة أو في الضفة، وفي الشتات أن يسأل: ما الذي جلبته حماس ومقاومتها المزعومة للشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية؟.

ربما على كل فلسطيني أن يضع أمامه ورقة وقلمًا ويعيد تسجيل ما لديه من ذكريات بخصوص دور حماس منذ تأسيسها عام 1988، وحتى السابع من أكتوبر عام 2023، عليه أن يسجل ويتساءل: لماذا لم تنضم حماس لمنظمة التحرير الفلسطينية، حتى قبل أوسلو؟ ولماذا أصرت على ألا تنضم وحسب، بل عملت كل شيء من أجل إضعافها والتشكيك بها، وكيف استخدمت حجة الاصلاح لتبرر طرح نصها بديلاً للمنظمة؟ على الفلسطيني أن يسأل: لماذا نشطت حماس عسكريًا فقط بعد أوسلو، وكيف كان اليمين المتطرف الإسرائيلي يستخدم عملياتها التفجيرية بهدف إنهاء أوسلو؟.

علينا أن نسأل: لماذا قامت حماس بانقلابها في قطاع غزة عام 2007، بالرغم أنها هي من كان يترأس حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية في حينه؟ وكيف قبلت الاستمرار في فصل قطاع غزة عن الضفة وهي تعرف أن هذا يخدم نتتياهو واليمين المتطرف في إسرائيل؟ ثم ماذا جنى الشعب الفلسطيني من خمس حروب قامت بها حماس، وما جناه الغزيون من حروب حماس والتي ختمتها في حرب الإبادة الحالية؟.

المهم اليوم هو كيف يمكن أن نمنع صوملة قطاع غزة ونمنع التهجير، كيف يمكن وقف حرب الإبادة؟.