قام جيش الاحتلال الإسرائيلي وعلى مدى أكثر من شهرين بالهجوم على مخيمات الشمال ابتداءً من مخيم جنين ثم مخيمي طولكرم ونور شمس، إضافة إلى مخيم العين في نابلس. وبررت إسرائيل هذه الهجمات الوحشية على المخيمات بأنها حرب وقائية ضد المخيمات بذريعة انتشار المسلحين فيها. ومن ثم اتخذت تدابير لاحقة لإعادة احتلالها وهدم البيوت، وتهجير عشرات الآلاف من سكانها.
وحسب الصحف الإسرائيلية، فإن الحرب ضد المخيمات في الضفة الغربية ستشمل كل مخيمات الضفة، وهذا ما أكدته تصريحات جيش الاحتلال الإسرائيلي. وبالفعل بدأ الهجوم على مخيم الدهيشة رابع أيام عيد الفطر باستخدام جرافتين، وعشرين ناقلة جند، وعشرات السيارات العسكرية، ونحو 200 جندي مسلح. واستمر الاجتياح لأكثر من سبع ساعات متواصلة في وضع النهار. وتخلل هذا الاجتياح اقتحام البيوت وتفتيشها، وتدمير مقتنياتها، واعتقال وضرب عشرات الشباب، وإغلاق مداخل الطرق المؤدية للمخيم. ويبدو أن سيناريو الهجوم على الدهيشة يختلف عنه في مخيمات الشمال، حيث لا توجد مجموعات مسلحة في المخيم، كما أن هنالك استقرارًا أمنيًا نسبيًا في محافظة بيت لحم بشكل عام. وبناء على ذلك، هنالك سمات عدة برزت في سيناريو اجتياح مخيم الدهيشة نوجزها بالآتي:
1- استفزاز أهالي المخيم، وذلك من خلال الهجوم على بيوتهم وإهانة شبابهم ونسائهم، والكتابة باللغة العبرية على جدران مخيمهم، ورفع العلم الإسرائيلي في المخيم. وكل هذه الأعمال من شأنها استفزاز الشباب في المخيم ومقاومة الاجتياح، وهذا بالضبط ما يريده جيش الاحتلال حتى يقوم بالرد على أي مقاومة ولو كانت سلمية ضده، من خلال تدمير البيوت وإعادة احتلال المخيم.
2- استخدام لغة التهديد والتخويف، حيث استخدم جنود الاحتلال أثناء اقتحامهم للبيوت في المخيم لغة التهديد والوعيد. ووزع جيش الاحتلال منشورات لأهالي المخيم تفيد بتخويفهم من تكرار نموذج جنين وطولكرم.
3- القصدية بأن يكون الاجتياح في النهار على خلاف الاجتياحات السابقة التي كانت في معظمها تتم ليلاً ولمدة قصيرة. أما في هذا الاجتياح فتعمد جيش الاحتلال أن يكون نهارًا لتحقيق هدفين، الأول إرهاب الأهالي، والثاني هو إزالة تخوف كتائبهم العسكرية من العمل في النهار في المخيم وتدريبهم على ذلك.
4- تعويد المواطنين على وجود قوات الاحتلال في المخيم. وهذه الفكرة مهمة بالنسبة لأعمال جيش الاحتلال العدوانية، حيث أن استمرار تواجد وهجوم جيش الاحتلال الإسرائيلي في المخيم يجبر الأهالي على قبول تواجدهم والاستغناء عن السلطة الوطنية الفلسطينية. وهذا بالضبط ما تريده حكومة الاحتلال من خلال كي وعي المواطنين، وتقويض قدرة السلطة الوطنية على حفظ الأمن والاستقرار في الوقت الذي تقوم به قوات الاحتلال بالانقلاب على ما تبقى من اتفاق أوسلو وتعيد احتلال مناطق "أ" مبتدئة بالمخيمات.
5- تدريب جنود الاحتلال الإسرائيلي على اجتياح المخيم. حيث قامت قوات الاحتلال بتصوير كل حارات المخيم، وأخذ مقاسات الشوارع، ووضع علامات عسكرية ارشادية في هذه الحارات حتى تتتمكن لاحقًا من عمل اجتياحات منظمة ولوقت طويل في كل حارات المخيم. وعلى هذا، فإن جزءًا كبيرًا من هذا الاجتياح كان لأغراض تدريبية بحتة.
6- محاولة فرض الهيمنة، وهذا مهم جدًا بالنسبة لجيش الاحتلال، حيث أن الاجتياحات المتكررة في المخيم والوصول إلى أهداف معينة أو عشوائية وبسهولة مثل أهالي الشهداء أو الأسرى المحررين أو الناشطين أو المؤسسات العاملة في المخيم وغيرها من شأنه أن يوصل رسالة إلى المواطنين بأن جيش الاحتلال قوي ولديه إمكانيات كبيرة في الوصول إليهم في أي لحظة، وذلك لإجبارهم على ألا يفكروا مطلقًا بأي عمل ضد الاحتلال حتى لو كان عملاً سلميًا محضًا.
7- تقويض حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وهذا الهدف تم التعامل به في سيناريو مخيم جنين من خلال العمل على إلحاق ما تبقى من المخيم لبلدية جنين، وإنهاء تواجد المخيمات من خلال تغيير البنى الديمغرافية والجغرافية في المخيم بهدف القضاء على رمزية المخيم في موضوعة حق العودة. وهذا الهدف نجده واضحًا في العدوان على مقرات وكالة الغوث في المخيم وتعطيل عملها والتهديد بهدم البيوت من أجل تشجيع هجرة السكان خارج المخيم، وربما لاحقًا من خلال تهجيرهم كما فعلوا في جنين والعين وطولكرم.
وفي النهاية وكما تلاحظون من السمات السابقة، فإننا نجد أن بعضها يتشابه مع سيناريو مخيمات الشمال ولكنها تختلف أيضًا في سمات أخرى، ولكن يمكن أن نستنج بأن اجتياح مخيم الدهيشة سيتكرر بشكل مستمر، وربما يحمل في طياته مفاجآت لم نكن نتوقعها ولكنه في النهاية تعبير واضح عن تنصل حكومة الاحتلال الإسرائيلي من أي اتفاقات سابقة مع الجانب الفلسطيني، ومحاولة واضحة لتقويض مشروع السلطة الوطنية الفلسطينية، واستهداف عدواني لحق العودة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها