مع تصاعد العدوان الإسرائيلي في هذا العام، يتضح أن الاحتلال، بدعم أميركي غير محدود، يعمل على إعادة هيكلة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي بهدف حسمه لصالح إسرائيل، عبر تصعيد القتل والتهجير في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، وتحويل القضية الفلسطينية من ملف سياسي إلى أزمة إنسانية تُدار عبر الإغاثة، لا عبر الاعتراف بالحقوق المشروعة.
هذه الاستراتيجية ليست وليدة اللحظة، بل امتداد لخطط إسرائيلية قديمة، أبرزها خطة "الحسم" التي طرحها اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش عام 2017، والتي تقوم على إجبار الفلسطينيين على العيش دون حقوق وطنية، أو الرحيل، أو الخضوع لقمع دموي مستمر.
تسارعت وتيرة السياسات الإسرائيلية الممنهجة في الضفة الغربية، من هدمٍ للمنازل ومصادرة الأراضي، حيث تزداد هجمات المستوطنين، المدعومين من الجيش، لترهيب الفلسطينيين وإجبارهم على الهجرة القسرية، واجتياحات المدن والمخيمات بذريعة القضاء على أبناء شعبنا في شمال الضفة الغربية.
وتهدف هذه السياسة إلى خلق واقع يجعل الوجود الفلسطيني مستحيلاً، تمهيدًا لإحكام السيطرة الكاملة على الضفة.
وفي قطاع غزة، رغم إعلان وقف إطلاق النار، لا تزال المجازر مستمرة، حيث تُستخدم القنابل الأميركية الضخمة التي زود بها الكيان، (مثل 1800 قنبلة من طراز MK-84)، في تدمير أحياء كاملة، مما يعكس نية واضحة لتفريغ القطاع من سكانه تدريجيًا. في الوقت نفسه تُطرح مشاريع تهجير قسري إلى مصر والأردن كجزء من مخطط إسرائيلي-أميركي لتصفية القضية الفلسطينية ديموغرافيًا رغم إعلان الرئيس ترامب تراجعه عن تصريحه بهذا الشأن بسبب ما قوبل به من رفض فلسطيني وعربي ودولي، إلا أن هذا التراجع لا يُعَد نهائيًا وإنما تكتيكيًا.
لم تكتفِ الولايات المتحدة بتزويد إسرائيل بالسلاح، بل تبنت سياسات تدعم الحسم الإسرائيلي على عدة مستويات:
1. التسليح والدعم العسكري: شحنات الأسلحة الأميركية تتيح لإسرائيل تنفيذ عمليات إبادة دون خوف من محاسبة دولية، حيث تُستخدم هذه الأسلحة ضد المدنيين بشكل مباشر.
2. التغطية السياسية: تمنح واشنطن تل أبيب الحماية الدبلوماسية في المحافل الدولية، وتعرقل أي محاولات لمحاسبة الاحتلال على جرائمه، وترهب المحاكم الدولية، وترهب المتضامنين مع الشعب الفلسطيني، في أميركا وخارجها.
3. التلاعب بالمشهد السياسي الفلسطيني، حيث تعمل واشنطن على إضعاف منظمة التحرير الفلسطينية لصالح كيانات بديلة، تفتقر إلى الشرعية الوطنية، بهدف تقويض أي إطار سياسي يمكنه تمثيل الفلسطينيين على الساحة الدولية.
سياسات التهجير القسري تنتقل من النظرية إلى الواقع، إنها إحدى أخطر السياسات التي يجري تنفيذها اليوم على أرض الواقع، هي إعادة إحياء مشاريع التهجير القسري، حيث بدأت تُناقش مقترحات لترحيل سكان غزة إلى دول مجاورة.
هذه المخططات، التي يتم التمهيد لها عبر خلق ظروف معيشية مستحيلة داخل القطاع، تعكس تحولاً خطيرًا في الاستراتيجية الإسرائيلية من إدارة الصراع إلى محاولة تصفيته نهائيًا، عبر تغيير التركيبة السكانية في المناطق المحتلة وخاصة منها المخيمات في غزة والضفة، والعمل على إلغاء حق العودة عمليًا.
4. التحديات أمام الفلسطينيين: الانقسام والصمود
في ظل هذه المخططات يواجه الفلسطينيون تحديات كبرى أهمها الانقسام الداخلي، وغياب الرؤيا الوطنية الفلسطينية الموحدة واستمرار الانقسام الذي يضعف القدرة على التصدي للمخططات الإسرائيلية.
أضف إلى ذلك، ضعف الموقف العربي، رغم بعض التحركات الديبلوماسية، تظل المواقف العربية عاجزة عن فرض ضغوط حقيقية على إسرائيل.
القمة العربية المرتقبة في 4 مارس 2025، قد تمثل فرصة لإعادة توحيد الموقف العربي وتصليبه، لكن نجاحها يتطلب تجاوز الحسابات الضيقة.
ثم ازدواجية المعايير الدولية، استمرار الصمت الدولي يشجع إسرائيل على التمادي في جرائمها، لذا فإن الفلسطينيين مطالبون بتكثيف العمل السياسي والدبلوماسي والقانوني لمحاسبة الاحتلال ومواجهة خططه في التهجير ورفض الضم.
ليس أمام الشعب القلسطيني سوى الصمود كخيار استراتيجي والعمل على تثبتهم على أرضهم، لأن ما يجري اليوم ليس مجرد تصعيد عسكري، بل هو تنفيذ دقيق لخطة تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية نهائيًا.
ومع ذلك، قد أثبت التاريخ أن الشعب الفلسطيني قادر على مقاومة محاولات الاقتلاع، وأن دعم الشعوب العربية والعالمية له يمكن أن تشكل أدوات ضغط حقيقية على إسرائيل وأميركا.
يبقى دعم الصمود الفلسطيني، مع تطوير رؤية وطنية فلسطينية موحدة، العنصر الأساسي لإفشال هذه المخططات، وضمان استمرار النضال الفلسطيني الشعبي والرسمي على كافة المستويات، حتى تحقيق الحرية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها