بقلم: معن الريماوي
بات ارتفاع أسعار السلع والمنتجات الأساسية حديث المواطنين وشغلهم الشاغل، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تفاقمت نتيجة لعدوان الاحتلال الإسرائيلي المتواصل على فلسطين، ونشر مئات الحواجز العسكرية التي تقطع أوصال المحافظات في الضفة الغربية.
وقبل حلول شهر رمضان المبارك، يخشى المواطنون من عدم القدرة على تأمين احتياجات أسرهم، ويترقبون ضبط الجهات الرسمية للأسواق ووضع حد لجشع بعض التجار واستغلالهم للظروف الراهنة عبر رفع غير مبرر في الأسعار.
وفي الآونة الأخيرة، طال الغلاء عددًا من السلع ومنها الأساسية، كالأرز، واللحوم الحمراء، والوقود، والبيض، والخضار، وعدد من السلع الأخرى.
ووفق بيانات صدرت عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن ارتفاع الأسعار في فلسطين خلال العام الفائت وصل إلى 54%، حيث ارتفعت الأسعار للسلع الاستهلاكية بواقع 237.98% في قطاع غزة، وبنسبة 3.84% في القدس الشرقية، وبنسبة 2.48% في باقي الضفة.
وخلال شهر كانون الثاني/يناير الماضي، ارتفعت الأسعار بنسبة 0.34%، مقارنة مع شهر كانون الأول 2024، ويعزى ذلك الى ارتفاع أسعار الدجاج الطازج بنسبة 11.11%، وأسعار البيض بنسبة 10.44%، وأسعار الفواكه الطازجة بنسبة 4.67%، وأسعار السجائر المستوردة بنسبة 3.74%، وأسعار المحروقات السائلة المستخدمة كوقود للسيارات "البنزين" بنسبة 0.93%.
فعلى سبيل المثال، فقد ارتفع سعر كيلو الخاروف الحي إلى 40 شيقلاً، ما أدى إلى وصول كيلو اللحمة لـ100 شيقل. كما ارتفع سعر كيلو الدجاج إلى 16 شيقلا، وكرتونة البيض إلى 19 شيقلاً، ولتر البنزين "95 أوكتان" إلى أكثر من 7 شواقل.
وأبدى مواطنون خلال جولة في رام الله امتعاضهم من الارتفاعات المتتالية للأسعار، آملين من الجهات الرسمية ضبط السوق قبيل شهر رمضان المبارك، الذي يكثر فيه الاقبال على الشراء.
المواطن مصعب عطية قال إن بعض الأسر أصبحت غير قادرة على تأمين الاحتياجات الأساسية، فالأسعار مرتفعة جدًا، وهي لا تتناسب أبداً ودخل الفرد الشهري، فمنذ عام 1996، فإن كل ألف شيقل زيادة في الأجر رافقه زيادة في الأسعار بـ 2475 شيقلاً.
في حين، اعتبر المواطن فادي لدادوة إن السلع الأساسية باتت من الكماليات لعدم القدرة على شرائها، والأسعار أصبحت "مرهقة للجيبة" حسب وصفه، داعيًا الجهات الرسمية لضرورة التحرك من أجل خفض الأسعار، ومحاسبة التجار على جشعهم واستغلالهم.
وبالانتقال الى أصحاب المحال التجارية، فأكدوا أن السلع تأتي مرتفعة السعر من الموزعين، ولا علاقة لهم برفع الأسعار.
أوضح التاجر عبد الله الخطيب أن "سعر البضاعة غير ثابت بالمرة، حيث تأتينا البضاعة من الموزع، ونتفاجأ بأن الأسعار قد ارتفعت شيقلاً أو أكثر، ونحن بدورنا نقوم برفع السعر تلقائيًا، وآخرها ارتفاع سعر القهوة ثلاثة شواقل في الوقية الواحدة".
وعن تفاوت الأسعار بين محل وآخر، أكد الخطيب أن هناك تجار يرفعون الأسعار بطريقة كبيرة، فتجد محل يبيع منتجًا ما بسعر، ومحل آخر يبيعه أغلى بـثلاث أو أربعة شواقل، داعيًا المواطنين إلى استغلال العروض المقدمة من بعض المحال والمتاجر.
أما الموزعون، فكلهم أجمعوا أن تكلفة الشحن ارتفعت عن السابق، حيث كانت 3 آلاف دولار، في حين أصبحت اليوم تتجاوز الـ 8 آلاف دولار، الى جانب الضريبة التي تدفع جراء كل يوم تأخير في عملية النقل.
- قائمة بأسعار السلع الأساسية
قال مدير دائرة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد الوطني إبراهيم القاضي: بأن السوق الفلسطينية مستقرة، وهناك وفرة من المواد الغذائية لفترة لن تقل عن ستة أشهر، وهذا جزء أساسي من خطة تنظيم السوق، للتأكد من توفر السلع، والأسعار، والرقابة عليها.
وأوضح القاضي أن تلك الخطة تم رفعها لمجلس الوزراء والمصادقة عليها قبل نحو أسبوعين، وتتضمن عدة أمور، أهمها: إصدار قائمة أسعار للسلع خلال أيام بالتعاون مع الجهات الرقابية، لمنع أي استغلال تجاري خلال الشهر الفضيل، حيث لدينا 15 سلعة أساسية تعد الأكثر مبيعاً في الأسواق، واستهلاكا في رمضان، إضافة لتقديم مقترحات خاصة بمخاطبة وزارتي التربية والتعليم، والأوقاف والشؤون الدينية بالتوعية بموضوع مكافحة المنتجات الفاسدة والمهربة، ورفع الوعي لدى الطلبة والمواطنين، وتعميم رقم الشكاوى 129 في حال كان هناك أي عملية استغلال للمواطنين.
وأشار إلى أن الغلاء طال الخضار، واللحوم، وسلع أخرى وحاولنا ضبطها من خلال فتح باب الاستيراد، وضبط التهريب المعاكس بالشراكة مع وزارة الزراعة والشركاء، وقال: أما بالنسبة للحوم، كان هناك ارتفاع لأسعار اللحوم نتيجة منع الاحتلال للاستيراد من عدة دول، لكن هذه المشكلة تم التغلب عليها من خلال إدخال كميات كبيرة خلال الأسبوع الماضي، وتم التنسيق مع كبار المستوردين وإدخال 25 ألف رأس خاروف للذبح، وأكثر من 2000 عجل، وخلال الأيام المقبلة سيتم فتح باب الاستيراد بالكوتا (الاستيراد دون جمارك)، وكل ذلك سينعكس إيجابًا لصالح المستهلك في الأيام المقبلة، خاصة في شهر رمضان.
وحول حالة الطقس ومدى انعكاسها سلبا على المزروعات، وارتفاع الأسعار، قال القاضي: إن الوزارة لديها لجنة طوارئ تشكلت للمنخفضات في كل المحافظات، وهمها الأساسي أن لا يكون هناك تدافع في الأسواق وأن يأخذ المواطن احتياجه الأساسي.
- مخالفات تبدأ بـ 500 دينار وتنتهي بإغلاق منشآت
وأضاف القاضي: أن أي تاجر لا يلتزم بالسقف السعري المعلن من الوزارة، سيتم تحرير مخالفات له وإحالته للقضاء، وهذه المخالفات تبدأ من 500 دينار فأعلى، وهناك جولات ميدانية للوزارة، بنحو 52 جولة تفتيشية في الأيام العادية في جميع المحافظات، وقد قمنا بتحرير مخالفات كثيرة، ففي الفترة الماضية تم تحرير 18 مخالفة شهرية، لكن في شهر رمضان يكون الرقم أعلى بكثير، حيث بلغ عدد المخالفات في رمضان الفائت نحو 72 مخالفة، وفي حال تكرر ذلك يتم اتخاذ اجراءات عقابية، ويحق لنا إغلاق المنشأة لحين البت فيها نهائيًا من القضاء.
وعن الوضع في محافظات شمال الضفة جراء العدوان الإسرائيلي المستمر، قال القاضي: إنه لا يوجد أزمة في توفر السلع إطلاقًا، إنما لدينا أزمة في إمكانية وصول المستهلكين في هذه المحافظات إلى السلع نتيجة إجراءات الاحتلال، وعدم الأمان من التنقل بين الأزقة والشوارع، مشيراً إلى أن توريد السلع لها ما زال مستمراً.
وحول النازحين قسرًا من منازلهم جراء عدوان الاحتلال على المخيمات، قال القاضي: تم التنسيق من خلال اللجنة المركزية للطوارئ، والارتباط، والمحافظين، والقطاع الخاص لحل أزمتهم عبر إرسال الطرود والمساعدات".
- السوق في غزة بحاجة لكل شيء
وبالانتقال إلى قطاع غزة، قال القاضي: إن الوزارة تحاول التنسيق مع كل الشركاء، وكان لوزير الاقتصاد الوطني محمد العامور مؤخراً لقاء في مصر من أجل تنسيق الجهود من أجل إدخال أكبر كمية ممكنة من المساعدات والمعونات تتضمن الاحتياجات الأساسية، ولكن في النهاية من يتحكم بالمعابر هو الاحتلال الذي يعيق إدخال المساعدات.
وتطرق إلى السوق في القطاع، مؤكداً أنه بحاجة لكل شيء، وأنه مهما قُدم للقطاع من مساعدات لن تكفي احتياجات المواطنين، نتيجة لحرب الإبادة الإسرائيلية التي تواصلت 15 شهرًا.
- استيراد اللحوم مفتوح دائماً
بدوره، قال الناطق باسم وزارة الزراعة محمود فطافطة: إنه تم استيراد حوالي 12 ألف رأس غنم، وخلال الأيام المقبلة سيدخل أيضًا 20 ألف رأس غنم بما يتناسب مع الاستهلاك، وسيكون لدينا خلال شهر رمضان مليون و200 ألف طير (دواجن) وهذا الرقم يفوق استهلاكنا الذي لا يتجاوز مليون طير.
وحول العجول، قال فطافطة: إن الاستيراد مفتوح دائما، ونحن ننتج 15-18% من احتياجنا من العجول، والباقي كله يتم استيراده، حيث نستورد مئة ألف رأس سنويا، والخراف 50-100 ألف رأس سنويا وحسب الحاجة.
وأوضح فطافطة أن دور الوزارة الرئيسي هو إعطاء سعر استرشادي حول كلفة المنتج، وليس السعر ككل (هذا اختصاص وزارة الاقتصاد)، فعلى سبيل المثال نحن نحتسب سعر كلفة كيلو الخاروف 32 شيقلاً، ولكن بعد ذلك تنتقل لمعايير أخرى، فتذهب للمزارع الذي يأخذ هامشاً من الربح، والوسيط كذلك، ثم التاجر، فالمسلخ، بالتالي يرتفع السعر، لكن ما نراه اليوم ونسمع عنه هو جشع وطمع من التجار.
وعن أحوال الطقس، قال فطافطة: مزارعنا اليوم كلها متطورة ومغلقة، بالتالي تعرض المزروعات لمشاكل الطقس قليلة، ومع ذلك أصدرنا تعليماتنا للتعامل مع هذه الظروف.
من جهته، أكد المزارع فائد بعيرات أن الصقيع قد يؤثر على البيوت البلاستيكية، وقد يؤدي إلى تجمد العصارة، أو التلف، وهذا يستدعي إجراءات مضاعفة للحفاظ على حياة المزروعات، كالخضار، عبر تعريضها لدرجات حرارة أعلى، وهذا يزيد التكاليف.
- دور توعوي
أما رئيس جمعية حماية المستهلك صلاح هنية فوصف دور الجمعية بالتوعوي الذي يهدف لتوعية المستهلك من خلال عقد ورشات عمل، وجلسات وندوات للتوعية بحقوقه وواجباته، خاصة ممارسة حقه الأساسي المنصوص عليه عالميا وهو حق الاختيار، بمعنى أنه عندما ترتفع سعر سلعة ما، يبدأ المواطن بالبحث عن بديل أقل سعرًا، كذلك التوعية بحق المقاطعة، خاصة ما نشهده هذه الأيام من ارتفاعات هائلة في أسعار اللحوم الحمراء، حيث وصل سعر الكيلو إلى أكثر من مئة شيقل، لذلك يجب مقاطعتها أو البحث عن بدائل عنها حتى يستقر سعرها كالسابق، وأن يقوم المواطن بتقديم شكوى.
وتابع: هناك اللحوم المبردة الطازجة وليست المجمدة وهي بديل مثالي للحم الخاروف، حيث تذبح في إسبانيا، وتوضع في الثلاجات وتُرسل للبلد، ويتم بيعه في السوق وهي شبيهة باللحم الطازج، لكنه يأخذ وقتا أطول في التبريد، ويباع سعر كيلو الخاروف بنحو 55 شيقلاً والعجل بنحو 27 شيقلاً، وهذه بدائل قد يستعين بها المواطن.
وفي السياق، أعلن جهاز الضابطة الجمركية، مع اقتراب حلول شهر رمضان المبارك، عن وضع خطة رقابية مكثفة لضبط الأسواق، وذلك بالتعاون مع الجهات الأمنية والمدنية الشريكة، تنفيذًا لتوجيهات المستوى السياسي، وتحت إشراف مباشر من قائد الجهاز، اللواء إياد بركات.
ومن أبرز محاور الخطة الرقابية: تكثيف الجولات التفتيشية على الأسواق والمحال التجارية، مع متابعة الحركة التجارية بين المحافظات، وتشديد الإجراءات على الحواجز عند مداخل المدن لضمان توفر السلع الأساسية وسلامتها، ورصد أسعارها بما يتناسب مع الظروف الاقتصادية، وتعزيز الرقابة على المواد الغذائية بالتنسيق مع لجنة السلامة العامة، لضمان سوق آمن ونظيف طوال الشهر الفضيل، ورفع الوعي الاستهلاكي بالشراكة مع وزارتي التربية والتعليم والأوقاف والشؤون الدينية، للتحذير من محاولات الاحتكار أو إدخال بضائع غير قانونية، مع التأكيد على أهمية دعم المنتج الوطني.
وأكدت الضابطة الجمركية أن الإجراءات القانونية ستُتخذ بحق المخالفين، داعية التجار إلى الالتزام بالمعايير الصحية والاقتصادية لضمان حقوق المستهلكين. كما طمأنت المواطنين بأن السلع الأساسية متوفرة، مشددة على عدم التهافت على الشراء، خاصة في الأسبوع الأول من رمضان.
ودعت المواطنين إلى الإبلاغ عن أي تجاوزات عبر الرقم المجاني 132 أو من خلال صفحات التواصل الاجتماعي للجهاز.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها