بقلم: عُلا موقدي
في منزل الأسير سعيد شتية بمدينة سلفيت، المحكوم بمؤبدين و15 عامًا، والذي أمضى منها 23 عامًا خلف قضبان الاحتلال، تجتمع أحاديث الجارات مع والدته ميسر ناصيف، وتملأ الدعوات والأماني المكان بأن يكون اسم ابنها ضمن قائمة المفرج عنهم ضمن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.
الحاجة ناصيف، تجلس على الأريكة وبجانبها أحد أحفادها الذي لم يتجاوز عمره أربع سنوات، وتحيط بهما صور لسعيد منذ شبابه، وصور تم جمعها بواسطة التقنيات الحديثة وكأنهما يعانقان بعضهما واقعيًا. وعلى الطاولة أمامها، وضعت بعض الحلوى، في إشارة رمزية إلى فرحة متوقعة، وإن كانت ممزوجة بالقلق والتوتر.
وبدموع فرح، تقدم الحاجة ناصيف الحلوى لزائريها الذين جاؤوا ليشاركوها لحظات الترقب. وتقول: "لم تغمض عيناي منذ أيام، ونحن نبحث عن اسمه بين القوائم التي نشرت على الصفحات. وأخيراً وجدنا له اسمًا ضمن قائمة المبعدين، شعرت بالاطمئنان، وتمنيت بأن يكون خبر الإفراج صحيحاً مئة بالمئة".
وأضافت: أمنيتي أن أرى سعيد بجانبي، وأن أعيش معه كما تعيش باقي الأمهات مع أبنائهم، حتى لو تم إبعاده إلى آخر بقاع الأرض، سألحق به وأضمه إلى صدري.
اعتقل سعيد وهو في العشرين من عمره، وبحسب والدته فإن ظروف اعتقاله كانت قاسية جداً، فقد حاصر جنود الاحتلال المنزل من كل الاتجاهات، وتم إطلاق النار بشكل كثيف، وتلقت الجهة الغربية من واجهة المنزل ما يزيد على 26 رصاصة، ثم تم إخراج كل من في المنزل وبعد ساعات عدة من المحاصرة والتخريب والتنكيل بالعائلة تم اعتقاله.
خلال هذه السنوات الثقيلة، لم يتوقف سعيد عن بناء مستقبله العلمي، فقد أتم دراسته وحصل على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية داخل الأسر، وتبعها بالدراسات العليا، وينتظر الإفراج عنه لإتمام مناقشة الدكتوراه التي يجهز لها داخل السجن.
لا يخفى على أحد من خلال أحاديث الحاجة ناصيف عن ابنها شعورها بالفخر به، وبأن قضبان السجن لم تكسر إرادته بل زادته إصرارًا وعزيمة.
وذكرت ناصيف: "منذ سنة وثلاثة أشهر لا نعرف عنه شيئًا، ولا حتى في أي سجن يقبع حاليًا. أملي بالله كبير أن يكون حرًا قريبًا، وأنا على قيد الحياة، وأن أعوضه عن غياب والده الذي رحل وهو في الأسر".
وتختم الحاجة ميسر ناصيف حديثها، قائلة: أسأل الله أن يمنح غزة وأهلها الصبر والقوة، وأن يرحم شهداءنا الذين ضحوا بحياتهم من أجل الحرية. جميعنا كفلسطينيين نعيش معاناة الاحتلال، لكننا نستمد عزيمتنا من صمود غزة، ومن تضحيات أبنائنا الأسرى في سجون الاحتلال".
مشهد عائلة الأسير شتية ومشاعرها تتكرر في كل منازل عائلات الأسرى في هذه الأيام، حيث تتقاطع مشاعر الفرح المأمول مع ألم الغياب المستمر، وتمر الدقائق كأنها ساعات في انتظار حرية قادمة لا محال تكسر قيود الاحتلال.
وبحسب مديرية هيئة شؤون الأسرى والمحررين في سلفيت، يتراوح عدد الأسرى من محافظة سلفيت ما بين 125-140 أسيرًا، بينهم أسرى قدامى وآخرون جدد. ومن بين هؤلاء، هناك 15 أسيرًا يقضون أحكاما عالية تتجاوز عشر سنوات، في حين يصل عدد الأسرى القدامى ممن أمضوا فترات طويلة خلف القضبان 10 أسرى، وهناك أسرى يتم اعتقالهم لأيام محدودة ثم يتم الإفراج عنهم.
وفي هذا السياق، قال الأسير المحرر فادي موقدي: "إن وقف إطلاق النار وعودة الحياة إلى طبيعتها في قطاع غزة هو بكل تأكيد من المطالب الأساسية للأسرى داخل السجون، وعليه، فإن هذا الاتفاق يشكل بارقة أمل خاصة لأسرى المؤبدات والأحكام العالية، لنيل الحرية".
وأضاف موقدي: أن الأسرى يعيشون في هذه الأيام تحت وطأة التعذيب النفسي، لأن إدارة سجون الاحتلال تتعمد إبقائهم في حالة من الترقب، وقد لا يعلم الأسير بخروجه إلا قبل ساعات قليلة من الإفراج.
وأشار إلى أن غياب التواصل مع العالم الخارجي، مثل الزيارات، والتلفاز، والمذياع، والتي تم منعهم منها وهي حق أساسي لهم، يجعل الأسرى يعتمدون بشكل شبه كامل على المحامين لمعرفة ما يجري خارج أسوار السجن.
وأكد موقدي أن أصعب اللحظات التي يمر بها الأسير هي تلك التي تسبق الإفراج، سواء كان ذلك ضمن فترة حكم محددة أو عبر صفقات تبادل.
وأضاف: "الخوف من فشل الصفقة أو عدم إدراج الاسم ضمن قوائم المفرج عنهم يرافق الأسرى حتى اللحظات الأخيرة.
وتحدث عن مشاعر مختلطة لدى كل أسير بين الفرح بالحرية والحزن على ترك رفاق الأسر الذين شاركهم سنوات طويلة من الحياة اليومية والأفراح والأتراح، كما يعاني المحررون من قلق اجتماعي بشأن القدرة على الاندماج في المجتمع، خاصةً في ظل تغير تركيبة الأسرة وظهور أفراد جدد لم يعرفهم الأسير إلا بالاسم واختلاف الأفكار والرؤى.
وتناول المحرر موقدي قضية الإبعاد، مؤكدًا أنها تمثل غصة في قلوب الأسرى، حيث يحرمهم الاحتلال من البقاء في وطنهم الذي ناضلوا من أجله، "فالإبعاد يجعل التواصل مع العائلة أكثر صعوبة، خاصة بالنسبة للآباء والأمهات كبار السن، الذين قد لا يتمكنون من السفر لدولة أخرى، فضلاً عن صعوبات التأقلم مع الثقافات والعادات المختلفة في البلدان الجديدة".
وأوضح أن الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، قد تحول دون تمكن جميع أفراد العائلة من السفر والوصول إليه واحتضانه كما لو كان في وطنه. وهذا يعيد إلى الأذهان معاناة زيارات السجون، التي تقتصر غالبًا على الأقارب من الدرجة الأولى فقط، مما يضاعف مشاعر الحزن والحرمان لدى بقية أفراد الأسرة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها