بقلم: عبد الباسط خلف
كان صوت السبعيني محمود أبو جعص منهكًا، وهو يستذكر لحظات إجبار جنود الاحتلال له ولعائلته على ترك بيوتهم في مخيم جنين، صباح أمس الجمعة.
وقال: إن "جنود الاحتلال أحاطوا بمنزله، وكسروا باب غرفته، وهددوا عائلته بإطلاق النار، وحملوها على الخروج، بخلاف قرارها البقاء داخل المخيم".
وأضاف وهو يعتمر قبعة رمادية، في نهار شهد بعض الهطولات المطرية والكثير من التنكيل لأن غالبية أهالي المخيم أجبروا على مغادرته قسرًا، بينما أصر ابن عمه ناصر على البقاء مع والدته الطاعنة في السن، والتي لا تقوى على الحركة.
وأشارت مواطنة من العائلة إلى أن أحد جنود الاحتلال سألها عن رأيها بما يجري، وأخبرها بأنهم "يريدون السلام"، فردت عليه: وهل هذا السلام يشمل تدمير البيوت وإجبار النساء والأطفال والعجزة على ترك بيوتهم بالقوة؟.
- بيوت وركام
ووثق الصحفي عصام الريماوي عمليات هدم في رابع أيام العدوان على جنين ومخيمها، وأكد أن نحو سبعة بيوت في عمق المخيم صارت ركامًا، بينها مبنى من أربع طبقات، بينما زادت حدة الاشتباكات، فيما بدأ جيش الاحتلال باقتحام المنازل وإجبار أصحابها على مغادرتها.
وأوضح أن عمليات الإخلاء تركزت في حارة الدمج، وحي الحواشين، وبجوار مسجد عبد الله عزام.
بدوره، ربط مساعد محافظ جنين، منصور السعدي، ما يجري في جنين ومخيمها وريفها بخطة احتلالية تنفذ الآن؛ للضغط على أهالي المخيم وتهجيرهم قسرًا، في إرهاب مبرمج يقوده وزير المالية المتطرف، بتسلئيل سموتريتش.
- لإرضاء سموتريتش
وقال السعدي: إن العدوان على جنين والضفة الغربية المحتلة نتاج "اتفاق سياسي لضمان بقاء سموتريتش في حكومة نتنياهو، مقابل منحه هدية فعل ما يشاء في الضفة الغربية."
وأكد السعدي أن العدوان بدأ بوضع بوابات وحواجز في محافظات الوطن، والضغط على المواطنين وتضييق الخناق عليهم.
وشبه إجبار مواطني مخيم جنين على النزوح واعتقالهم على البوابات بما حدث في غزة خلال العدوان الطويل عليها.
وأوضح السعدي غياب إحصاءات دقيقة لعدد النازحين من المخيم، بسبب عزله ومنع الدخول إليه، وعدم مقدرة موظفي "الأونروا" على العمل والتحرك والتوثيق.
وتوقع أن يكون عدد النازحين كبيرًا، بعد انقضاء المهلة أمس، فيما ستتضح أرقام النازحين من المخيم والباقين فيه خلال يومين.
وأفاد بوجود عمليات هدم للمنازل بدأت أمس، وتوسعة الشوارع داخله، التي تتزامن مع انقطاع الكهرباء والمياه وتدمير الشوارع وضرب البنية التحتية.
- مدينة أشباح
وشبه السعدي جنين بـ"مدينة أشباح منذ أربعة أيام"، فالمتاجر والمؤسسات معطلة، وهناك تحركات مكثفة لجيش الاحتلال داخلها وفي محيطها وفي قلب عدة بلدات فيها، إضافة إلى السيطرة على مداخل المحافظة وشل الحركة داخلها.
وأضاف: أن "الاحتلال جرف طرقات المخيم كلها، والشارع الممتد من دوار السينما وصولاً إلى المخيم، والطريق الرابط بين برقين وواديها وحتى حي الهدف، إضافة إلى المنطقة الممتدة بين دوار الأحمدين ومداخل سيلة الحارثية واليامون، ودوار القدس والبلدية في قباطية".
وقدر السعدي أن يكون العدوان الحالي طويلاً، بحكم ما يجري من تفريغ وهدم داخل المخيم، وحملات تفتيش من بيت إلى بيت داخله.
- حرق وقصف
من جانبها، أشارت عضو اللجنة الشعبية للخدمات في مخيم جنين، فرحة أبو الهيجاء إلى تنفيذ الاحتلال مداهمات لمنازل المخيم، وتدمير وحرق بعضها، وحملات اعتقالات، واستكمال لتفريغ البيوت.
وأكدت صعوبة إحصاء أعداد الباقين في المخيم، والمعتقلين منه، والبيوت المستهدفة بالهدم والتدمير فيه.
وأوضحت أبو الهيجاء أن الاحتلال فرض حظر التجوال عبر الطائرات المسيرة، وأطلق النار صوب المواطنين الذين رفضوا الخروج من بيوتهم، ولم يستثن العجزة.
- اقتحام منزل الأسير زكريا الزبيدي والتنكيل بعائلته
واقتحمت قوات الاحتلال منزل الأسير زكريا الزبيدي في حي الجابريات بجنين ونكلت بعائلته، وقيدت زوجته وابنته آلاء، وطفله أيهم (14 عامًا)، وعصبت عينيه.
واحتجز الاحتلال العائلة في ساحة منزلها، كما اقتحم منزلي يحيى وجبريل الزبيدي شقيقي الأسير زكريا، ودمر محتوياتهما وعاث فيهما فسادًا.
- شهيدان في قصف مركبة
ولم ينتهِ يوم العدوان الرابع إلا بقصف طائرة إسرائيلية مسيرة لمركبة في قباطية جنوب جنين، أسفر عن شهيدين، وفق مدير مستشفى خليل سليمان الحكومي، وسام بكر.
وأوضح بكر أن الشهيدين وصلا إلى المركز الصحي في البلدة، وكانت ملامح وجهيهما غير واضحة، ومزق القصف جسديهما.
فيما أكد رئيس بلدية قباطية، أحمد زكارنة أن القصف وقع في محيط جبل الداموني، وبجوار المركز الصحي في البلدة وبجوار المقاهي، أعقبه اقتحام وتمشيط لمحيط المنطقة المستهدفة.
وأضاف زكارنة: أن الاحتلال اقتحم البلدة صباح أمس وحاصر منزلاً فيها، ولم ينجح في عدوانه، كما لم يغادر طيرانه المسير السماء، حتى عاد إلى قصف المركبة قرابة السابعة مساء، وقتل من فيها.
وقالت وزارة الصحة، إنه بارتقاء الشابين يرتفع عدد الشهداء منذ بداية العدوان إلى 14، بينهم 4 من قباطية وحدها.
واقتحمت قوات الاحتلال الليلة الماضية بلدة السيلة الحارثية غرب جنين وحاصرت منزلاً، وطالبت من فيه بالخروج عبر مكبرات الصوت.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها