منذ اللحظة الأولى التي طُرحت فيها فكرة تهجير الفلسطينيين، كان واضحاً أن الإدارة الأميركية، وعلى رأسها دونالد ترامب، تحاول اختبار الموقف العربي والفلسطيني، ومحاولة لجس النبض ورصد مدى استعداد العرب والفلسطينيين للتعاطي مع مشاريع تصفية القضية الفلسطينية بأسلوب جديد.

لكن الرد الفلسطيني والعربي جاء حاسماً منذ البداية، لا لتهجير الفلسطينيين، لا لمشاريع الاقتلاع السياسي والوجودي، ولا لتغيير هوية الأرض والإنسان. فالرئيس محمود عباس، وقيادة منظمة التحرير، والفصائل الفلسطينية كافةً، أعلنوا رفضهم القاطع حتى لمناقشة الفكرة، لأن غزة، كما الضفة والقدس، ليست أرضاً قابلة للتفاوض على هوية أصحابها، ولا يمكن إعادة إعمارها إلا بيد أبنائها، وفي ظل وجودهم الإنساني والسياسي عليها.

وأثبت الموقف العربي، رغم تعقيدات المشهد، أنه قادر على فرض معادلات جديدة، وأن وحدة الصف في رفض التهجير شكلت حاجزاً أساسياً أمام المشروع الأميركي. لكن هذا لا يعني أن المحاولات قد انتهت، بل إن ما تحقق حتى الآن لا بد أن يكون بداية لتحرك عربي أكثر تأثيراً، يقوم على خطوات عملية للضغط على الإدارة الأميركية والمجتمع الدولي لإنهاء الاحتلال، ودعم قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وفق القرارات الدولية التي كفلت هذا الحق.

إن إعادة غزة إلى حضنها الفلسطيني الموحد، وإنهاء الانفصال، وإفشال مخططات التصفية والترحيل، هي مسؤولية جماعية لا تتحملها القيادة الفلسطينية وحدها، بل تتطلب حراكاً عربياً على كل المستويات: السياسية، الدبلوماسية، والإعلامية. لا يمكن السماح بتحويل غزة إلى ساحة تجارب للضغوط الدولية أو مشاريع المجهول، بل يجب تعزيز صمود أهلها، ودعم حقوقهم المشروعة في وطنهم.

وأخيراً، إذا كان التاريخ قد أثبت شيئاً، فهو أن الفلسطيني لم ولن يغادر أرضه طوعاً أو قسراً، وأن أي مشروع يستهدف اقتلاعه لن يواجه إلا بمزيدٍ من الصمود والمقاومة. وعلى العرب اليوم، كما كانوا دائماً، أن يكونوا جزءاً من معركة الحفاظ على الوجود الفلسطيني، ليس بالبيانات فقط، بل بالفعل السياسي والميداني، لأن القضية الفلسطينية اختبار دائم لضمير الأمة وكرامتها.