في ظل التحديات المصيرية التي تواجه القضية الفلسطينية تبرز الحاجة الملحة لعقد مؤتمر وطني فلسطيني شامل يجمع القوى السياسية والمدنية قبيل القمة العربية المرتقبة في 27 شباط /فبراير 2025 بهدف توحيد الموقف الفلسطيني والتصدي لأي محاولات لتشويش التمثيل الوطني بما في ذلك المؤتمر المزمع عقده في الدوحة بين 17 و19 شباط/فبراير 2025، وترسيخ منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني مع بلورة رؤية موحدة لمخاطبة القمة العربية وحشد الدعم العربي والدولي لمواجهة المخططات الأميركية الإسرائيلية الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية ومن خلال مشاركة الفصائل والقوى المدنية وشخصيات وطنية سيكون المؤتمر محطة محورية لحماية القرار الوطني المستقل ورفض أي محاولات لإضعاف الموقف الفلسطيني في هذه المرحلة المصيرية.
ستكون دعوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى عقد هذا المؤتمر في القاهرة، خطوة محورية من شأنها أن تعيد ترتيب الأولويات الوطنية، وتحشد الجهود لمواجهة التحديات المصيرية. حيث إن استمرار التباعد بين القوى الفلسطينية في وقت تتسارع فيه المخططات الإسرائيلية والأميركية لتصفية القضية الفلسطينية لم يعد مقبولاً، ولذلك فإن الالتفاف حول دعوة الرئيس سيكون بمثابة اختبار حقيقي لمدى التزام جميع الأطراف بالمصلحة الوطنية، بينما سيجد من يختار التخلف عن هذه المسؤولية التاريخية نفسه خارج المشهد السياسي الفلسطيني.
لقد أظهر الشعب الفلسطيني، رغم الحصار والإبادة، صموداً استثنائياً في مواجهة الاحتلال، وظل متمسكاً بحقوقه المشروعة. وكما يواصل الجمل رحلته في الصحراء رغم العطش، يواصل الفلسطيني نضاله رغم كل أشكال التآمر والخذلان. غير أن الثبات وحده لا يكفي؛ فلا بد من إعادة بناء استراتيجية وطنية تقوم على وحدة الصف، وترسيخ دور منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. وفي هذا السياق، سيكون المؤتمر الوطني فرصة لتعزيز التوافق الوطني، والتصدي لأي محاولات لخلق بدائل أو كيانات موازية تهدف إلى تشويه التمثيل الفلسطيني، حيث يثير مؤتمر الدوحة تساؤلات جدية حول أهدافه ومدى تأثيره على وحدة القرار الوطني، ولذلك لا بد أن يكون هناك رد فلسطيني واضح من خلال اجتماع وطني جامع يحدد الأولويات، ويؤكد على الموقف الفلسطيني الموحد.
إلى جانب ذلك، فإن المؤتمر الوطني سيمثل منصة مهمة لوضع رؤية فلسطينية موحدة لمخاطبة القمة العربية، وتقديم تصور شامل لحشد الدعم العربي والدولي في مواجهة المخططات التصفوية، فالقضية الفلسطينية ليست مجرد ملف سياسي، بل هي اختبار لمدى التزام المجتمع الدولي بالقيم الإنسانية والعدالة. ولا يمكن أن تستمر ازدواجية المعايير، حيث يُدان النضال الفلسطيني بينما تُتجاهل جرائم الاحتلال الإسرائيلي. ويجب أن تُطرح المسؤولية القانونية للدول الثالثة بوضوح، ويجب محاسبة كل من يدعم الاحتلال عبر الاستثمارات في المستوطنات أو الصمت عن انتهاكاته.
لن يكون هذا المؤتمر مجرد لقاء عابر، بل سيكون محطة مفصلية في مسيرة النضال الفلسطيني، وفرصة لإعادة ترتيب الأولويات الوطنية، وتحديد المسؤوليات، وتعزيز وحدة القرار الفلسطيني المستقل. ومن هنا، فإن المشاركة فيه ستكون مسؤولية وطنية، وأي محاولة للالتفاف عليه أو تعطيله ستكون خروجاً عن الإجماع الفلسطيني، فالقضية الفلسطينية ليست مجالاً للمساومات، ومن لا يكون على قدر التحديات التي تواجهها اليوم، لن يكون له دور في مستقبلها.
إن مقترح عقد المؤتمر في القاهرة بدعوة من الرئيس محمود عباس، يمكن أن يشكل خطوة بالغة الأهمية في هذه المرحلة الحرجة، حيث ستضع جميع الأطراف أمام مسؤولياتها الوطنية. فالقاهرة، التي لطالما كانت داعماً أساسياً للقضية الفلسطينية، يمكن أن توفر البيئة المناسبة لعقد لقاء وطني جامع يعزز وحدة الصف الفلسطيني، ويمهد الطريق لموقف فلسطيني موحد في القمة العربية القادمة.
لم يعد هناك متسع للمزيد من التأخير، فالمرحلة المقبلة تتطلب موقفاً وطنياً موحداً، وإما أن يكون الجميع في خندق الوطن، أو يلفظ الشعب كل من تخاذل وتهاون.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها