مع قليل من التأمل والتفحص لما تعرضه فضائية "الجزيرة" من صور، وتقارير إخبارية، وتحليلات سياسية وعسكرية، بشأن اتفاق الهدنة يمكن إدراك ما تسعى إليه هذه الفضائية، وعلى نحو مبالغ فيه، من جعل الاتفاق إنجازًا غير مسبوق لحركة "حماس" بل وإلى حد تكريسه كدلالة نصر عظيم حققته هذه الحركة. كاميرتها في قطاع غزة ما عادت تقرب الخراب، ولا تعرف أحدًا من المكلومين هناك لينوح قليلاً من على شاشتها.
ما عادت كاميرات هذه الفضائية تسعى وراء أي مشهد من مشاهد الكارثة في القطاع الذبيح، بل تتجاوز ذلك إلى تعميم وتفخيم مشهد الاستعراضات الحمساوية المليشياوية، واحتشاد النازحين في دروب العودة، لتجعل منه مشهد الانتصار الذي لا شك فيه.
بالطبع لن يعود النازحون إلى بيوتهم -حتى مع فرحتهم بهذه العودة- بل سيعودون إلى ركامها، و"حماس" ذاتها تقول إنهم بحاجة إلى 135 ألف خيمة. وحتى الآن كل حركة في القطاع الذبيح رهن الشروط الإسرائيلية، ومن ذلك مثلاً "عودة النازحين عبر طريق "نتساريم" مشيًا على الأقدام، وبعد ذلك يسمح الانتقال بالمركبات إلى شمال القطاع بعد الفحص الأمني عن طريق صلاح الدين، وثمة شرط آخر أكثر ما يشير إلى حقيقة الإذعان الحمساوي، هذا الذي يقول "يحظر الاقتراب من قوات جيش الاحتلال في كل أماكن انتشارها وتمركزها، أي في كل الأماكن التي تحتلها. إضافة إلى ذلك يحظر نقل المسلحين والأسلحة عبر طرق العودة. هذه بعض شروط الاتفاق الذي فتح طريق "نتساريم" وما خفي أعظم، هذا الخفي الذي لن يكون بإمكان المسحال حتى الإشارة إليه.
تعرف حماس أن حضورها في المشهد الراهن حتى الآن، مدين لمئات الآلاف من الشهداء والجرحى، والنازحين، الذين لم توفر لهم أيًا من سبل الحماية والأمان، حين أقدمت على مغامرتها الخرقاء في السابع من أكتوبر عام 2023 وتتوهم حماس كما "الجزيرة" تمامًا، أن بقاءها في المشهد الراهن، لن يتحقق بغير خطاب المبالغات الإنشائية، حتى مع اعترافات انتهازية، تهيل التراب على أهداف طوفانها، فها هو موسى أبو مرزوق يقول وبالفم الملآن "إن هدف الحصول على الدولة الفلسطينية منذ 7 أكتوبر لم يتحقق كذلك "هدف وقف الاستيطان".
وبالطبع هدف الدولة، وقف الاستيطان عدا عن هدف تحرير الأقصى، وفلسطين، والفضاء العربي من هيمنة الطائرات الحربية الإسرائيلية، كل هذه الأهداف التي جاءت في خطابات حماس ورؤيتها باتت في ذمة التاريخ. ومع ذلك تتغنى حماس ومعها الجزيرة بانتصار ترى علامته الكبرى في استعراضاتها الشعبوية، وبانتهازية غير مسبوقة تستغل فرح العائدين إلى مناطقهم إنجازًا تنسبه إلى نفسها.
والحق، إذا كان هناك انتصار قد تحقق فعلاً، في قطاع غزة، فهو انتصار أهل القطاع على عذاباتهم، وأوجاعهم، انتصار بكائهم النبيل، الذي هزم الحزن واليأس والإحباط الذليل، وانتصار إرادتهم في البقاء والصمود على أرضهم رفضًا للتهجير، وكل هذا من مزايا الطبيعة الفلسطينية، التي لا دخل لحماس بها، لا من قريب، ولا من بعيد.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها