تُعد القضية الفلسطينية قضية تحرر وطني بامتياز، تتجاوز كونها مسألة إنسانية أو قضية جوع وإحسان أو غوث وإيواء، رغم أهمية ذلك في ظل ما خلفه العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة خاصة وفلسطين عامة، إذ تمثل القضية الفلسطينية جوهر الأمن والسلم والاستقرار في المنطقة العربية والشرق الأوسط، بل وعلى المستوى العالمي.
المنطقة العربية، بما لها من أهمية اقتصادية وأمنية واستراتيجية قصوى، تشكل محوراً استراتيجياً يؤثر بشكل مباشر على أمن واستقرار العالم وازدهاره.
رغم ما أبدته الإدارة الأميركية السابقة (2016م إلى 2020م)، بقيادة الرئيس دونالد ترامب، من انحياز واضح وسافر لإسرائيل على حساب الحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة والحقوق العربية، أثبتت فشلها في فرض ما سمي "صفقة القرن"، التي تجاهلت قرارات الشرعية الدولية وحقوق الشعب الفلسطيني، هذا الفشل أظهر أهمية الموقف الفلسطيني الصلب، و أهمية الرفض العربي الجماعي لمثل هذه المخططات والصفقات، التي تسعى لطمس القضية الفلسطينية وهضم حقوق الشعب الفلسطيني.
من أهم مرتكزات الاستراتيجية العربية الموحدة لمواجهة مثل هذه التحديات، ولضمان تحقيق حل الدولتين، والذي تقود المملكة العربية السعودية تكتلاً أو تحالفًا دوليًا لتنفيذه، الذي يضمن حقوق الشعب الفلسطيني، وفق قرارات الشرعية الدولية، بات ضرورياً صياغة استراتيجية عربية متماسكة ترتكز على ما يلي:
1. التأكيد على أهمية البعد الوطني والقومي والدولي للقضية الفلسطينية. يجب إعادة تصحيح الخطاب السياسي العربي والدولي بشأن فلسطين، لتظل قضية تحرر وطني تهدف إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وليس مجرد قضية إنسانية أو مساعدات غذائية وغوث وإيواء.
2. ضرورة التنسيق العربي المشترك القوي والفعال، تحتاج الدول العربية إلى تجاوز خلافاتها الداخلية وتوحيد مواقفها إزاء القضايا العربية المصيرية، خاصة منها القضية الفلسطينية، وحدة المواقف العربية تشكل الأساس لمواجهة الضغوط الدولية والإقليمية، وتعزيز الموقف التفاوضي العربي أمام القوى الكبرى، وخاصة أمام إدارة الرئيس ترامب التي تتهدد بجعل المنطقة جحيمًا.
3. تفعيل الأدوات الاقتصادية والسياسية والديبلوماسية والقانونية التي تمتلكها الدول العربية، حيث تمتلك موارد اقتصادية هائلة تمثل ورقة ضغط فعالة، يمكن استخدامها لتأمين مصالح دول المنطقة العربية بشكل عام، كما يمكن إعادة تشكيل التحالفات الدولية للضغط على الولايات المتحدة وإسرائيل، لتبني مواقف أكثر عدالة تجاه القضية الفلسطينية، وأكثر توافقًا والتزامًا مع قرارات الشرعية الدولية.
4. الاستناد إلى الشرعية الدولية والتمسك بها، في أي حل للصراع العربي الإسرائيلي، يجب أن يستند إلى قرارات الأمم المتحدة الخاصة بالصراع العربي الإسرائيلي، وقواعد القانون الدولي، بما يضمن حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وقيام دولته المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، مع ضمان الإلتزام بتنفيذ حق العودة للاجئين الفلسطينيين وفق القرار 194 لسنة 1948.
5. التصدي لمحاولات تهميش القضية الفلسطينية، في ظل محاولات قوى إقليمية تسعى إلى استمرار توظيف القضية الفلسطينية لتحقيق أجنداتها الخاصة، يجب على الدول العربية تعزيز دورها القيادي في احتضان ودعم الشعب الفلسطيني، وأن تكون الدول العربية هي الحاضنة للشعب وللقضية الفلسطينية بكل أبعادها، ومواجهة أي محاولة من هنا أو هناك، تسعى لتقويض حقه في التحرر الوطني وبناء الدولة المستقلة وعاصمتها القدس.
تكتسي القضية الفلسطينية خاصة والمنطقة العربية أهمية قصوى بصفة عامة، على المستوى الإقليمي والدولي، حيث لا يمكن تحقيق السلم والاستقرار في المنطقة والشرق الأوسط والعالم دون إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية.
المنطقة العربية، بما تمثله من ثقل اقتصادي واستراتيجي عالمي، تُعد محوراً للاستقرار الدولي والعالمي، هذا يجعل أي تهديد لاستقرارها أو تجاهل لمصالح شعوبها، بما في ذلك حقوق الشعب الفلسطيني، يشكل خطراً ينعكس ليس على أمن المنطقة فقط، وإنما على الأمن العالمي بأسره.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب، رغم محاولاته فرض "السلام" وفق معاييره الخاصة في فترة ولايته السابقة، فشل في تجاوز الإرادة الفلسطينية والعربية، فصفقة القرن، التي صُممت لخدمة أغراض وأهداف إسرائيل على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، سقطت أمام صمود الموقف الفلسطيني الرسمي والشعبي، ودعم الدول العربية التي رفضت ما سمي بصفقة القرن.
لذا نؤكد أن القضية الفلسطينية ليست مجرد ملف إنساني غوثي أو إيوائي، خاصة بعد الكارثة التي خلفها العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، بل هي في الجوهر قضية تحرر وطني، تستوجب إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للاراضي الفلسطينية، وتمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة كاملة غير منقوصة، وستبقى القضية الفلسطينية، تمثل مفتاح الأمن والسلم والإزدهار والاستقرار في المنطقة.
إن صياغة استراتيجية عربية موحدة باتت ضرورة، تعتمد على وحدة الموقف السياسي، و استثمار المكانة والقوة الاقتصادية، والالتزام بالشرعية الدولية، هو السبيل الرئيس لمواجهة التحديات المشتركة، جراء مواقف وسياسات تضليلية مخادعة، مورست من قبل بعض القوى والدول الأوروبية الكبرى والولايات المتحدة، خاصة في ظل الأحداث الأخيرة، وما عبرت عنه الإدارة الأميركية السابقة والحالية، وفي ظل ولاية الرئيس ترامب المعروفة مواقفه سلفًا، تجاه القضية الفلسطينية، وانحيازه المطلق لرؤى اليمين الصهيوني المزدوج، لأجل تحقيق حل الدولتين وضمان حقوق الشعب الفلسطيني.
المستقبل العربي، كما العالمي، يتطلب حلاً عادلاً للقضية الفلسطينية يحقق تطلعات الشعب الفلسطيني، والشعوب الأخرى في الأمن والسلام والاستقرار والازدهار.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها