في 15 تشرين الأول 2009، رفضت حركة حماس التوقيع على وثيقة المصالحة الفلسطينية التي أعدها الوسيط المصري، فساءت العلاقة بين 'حماس' والقاهرة، وتردت إلى الحد الذي منعت بسببه السلطات الأمنية المصرية، كوادر وقيادات 'حماس' من دخول الأراضي المصرية، وبقي الوضع متوتراً بينهما، حتى ثورة 25 يناير 2011، وسقوط نظام مبارك، حيث جرت الاتصالات بين القاهرة و'حماس'، وتجددت العلاقة بينهما، وأثمرت على التوصل إلى الاتفاق على توقيع الوثيقة من قبل قادة 'حماس' في بداية شهر أيار 2011 .

كانت 'حماس' تطالب بما لا يقل عن 40 بالمائة من حجم مؤسسات منظمة التحرير، حتى تكون فيها، ومشاركة في عضويتها، أما اليوم فقد أسقطت هذه المطالبة المسبقة، وها هي تلتحق بالشرعية وبالمؤسسة وبالمنظمة لتكون جزءاً منها، وليس بديلاً عنها، أو رديفاً لها، بل جزءاً من مكوناتها، وها هي تتصرف وتقبل وتقر، أن هناك مؤسسة قيادية واحدة، غدت عضواً فيها مثل كل الفصائل، لا فرق بينها وبين أي فصيل، وأن هناك رئيساً واحداًً، تجلس على طاولته، وبرلماناً فلسطينياً واحداً موحداً هو المجلس الوطني، رئيسه سليم الزعنون، وإعادة إحياء المجلس التشريعي، حيث سيتخذ القرارات بالاتفاق والتفاهم، وليس بالأغلبية التي تتمتع بها 'حماس'، وفق ما تم الاتفاق عليه في القاهرة .

من لم يشاهد خالد مشعل جالساً إلى جانب أعضاء القيادة الوطنية المؤقتة، او الانتقالية، لمنظمة التحرير، يوم 22/12/2011 في القاهرة، لن يصدق ما حصل إن لم ير بأم عينه رئيس حركة حماس، مثله مثل كافة الأمناء العامين للفصائل الثلاثة عشر المشاركة في الائتلاف السياسي الذي سيقود المرحلة الفلسطينية المقبلة برئاسة الرئيس محمود عباس، فالجميع جاء وحضر على طاولة أبو مازن بدون شروط مسبقة وبدون الادعاء أنه الأكبر والأقوى والأكثر جهادية من الآخر، فقد أسقطت 'حماس' شروط دخولها مؤسسات منظمة التحرير بالحصول على موقع مميز يعكس حجمها وقوتها، ويعكس رؤيتها السياسية، ولكنها بعد جلسة يوم 24/11/2011، بين الرئيس أبو مازن ومشعل، وتلتها جلسة 21/12 الثنائية تغير الحال، ما يستدعي القول ' سبحان مُغير الأحوال ' ولذلك يستوجب السؤال الذي يطرح نفسه بقوة ما الذي غيّر 'حماس' وقيادتها كي تقبل بما لم تكن تقبل به من قبل، إذ كان جلوس خالد مشعل في أي محفل أو اجتماع فلسطيني كان له حسابات وموازين، وأين يجلس وكيف يجلس، حتى أنه في شهر أيار الماضي، كاد ينسحب من حفل التوقيع على ورقة المصالحة التي أعدتها السلطات المصرية لأنه لم يجلس على منصة الرئاسة مثله مثل الرئيس محمود عباس .

هذا تحول جوهري، من لم ينتبه له، لا يفهم لا بالسياسة، ولا يدرك أهمية المتغيرات على المستوى القومي العربي، ولم يلمس براجماتية حركة الإخوان المسلمين، كحركة سياسية عربية عابرة للحدود، ولهفتها لاستلام السلطة والحكم، مهما كان الثمن باهظاً، وللتأكيد على ذلك، لندقق بما صدر عن قياداتها في المغرب وتونس ومصر، حيث قالوا مضموناً واحداً، كادوا يقولونه بمفردات واحدة، سواء قالوه بتفاهم فيما بينهم، أو قالوه بدون تنسيق مسبق، قالوا على لسان قياداتهم المغربية والتونسية والمصرية ' نحترم الاتفاقات الدولية ' وهو تعبير لو قيل قبل ثورة الربيع العربي، وقبل نتائج الانتخابات في المغرب وتونس ومصر، لما صدّق أحد أن قائله من جماعة الإخوان المسلمين .

'حماس' بعد ثورة الربيع العربي، وسيطرة الإخوان المسلمين، مع شعار الدولة المستقلة، ومع قرار التهدئة، والنضال المدني غير المسلح، ومع، ومع، إلى أن تصل إلى المستوى الذي وصلت إليه مرجعيتها الفكرية والسياسية والحزبية، حركة الإخوان المسلمين والمتمثل باحترام الاتفاقات الدولية، ولذلك سيثار السؤال حول لماذا لا تحترم حركة حماس اتفاقات منظمة التحرير مع إسرائيل طالما أن حركة الإخوان المسلمين والمرشد العام لحركة الإخوان المسلمين يحترم اتفاقات كامب ديفيد، واحترام تونس والمغرب لعلاقاتهما مع الأوروبيين والأميركيين، وماذا سيكون موقف الإخوان المسلمين في الأردن من اتفاقية وادي عربة الأردنية الإسرائيلية، إذا حصلوا على الأغلبية البرلمانية وشكلوا الحكومة الأردنية، أسوة بما جرى في المغرب وتونس ومصر، رغم رفضهم لها واعتراضهم عليها، ولكن للسلطة وللحكم ثمن يجب دفعه .

حركة حماس، ستمر بالمراحل التي مرت بها حركة فتح من قبل، وسيظهر أعضاء من المكتب السياسي، من يرفض المستجدات ويرفض تجاوب 'حماس' مع هذه المستجدات، مثلما سبق وأن فعلها بعض أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح من الذين استنكفوا عن العودة إلى فلسطين على أثر اتفاق أوسلو وتداعياته، وستظهر معارضة حمساوية، لن تقتصر على محمود الزهار الذي يُحاول إظهار تمايزه عن باقي رفاقه من أعضاء المكتب السياسي لحركة حماس .

'حماس' التحقت بالمنظمة وبمؤسساتها وستعمل من داخلها، لا من خارجها، لتطوير عمل المنظمة ومؤسساتها وتكييفها، وهي مرحلة جديدة، تعني التراجع بشكل تدريجي عن الانقلاب وتعني إنهاء الانقسام واكتساب الشرعية، وبناء وصنع مؤسسة جديدة تقوم على الشراكة، ولا شيء غير الشراكة، لأنه بدون شراكة لن يكون هناك وضع فلسطيني جديد، يستطيع الوقوف أمام التفوق الأسرائيلي السياسي والعسكري والاقتصادي والبشري والتكنولوجي والاستخباري، ويرغمه على الاعتراف بحقوق الشعب العربي الفلسطيني والرضوخ لمضامينها، على طريق هزيمة مشروعه الاستعماري التوسعي برمته .