نعتقد جازمين ان حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح لن تستجيب للترهيب بالتفجير من داخلها وتشظيتها أو للتهديد بالانشقاق عنها, فقد اثبتت التجارب بأن وحدتها عصية على التفكيك والاقتسام, فقد حاول كثيرون خلق مراكز قوى, واصطناع خلافات داخلية, لكن مناضلي الحركة الملتزمين المؤمنين بمبادئها واهدافها, الموالين لفلسطين وشعبها, كانوا يصلون بها الى شاطىء الأمان, يعيدون تنظيم صفوفهم, ينظمون قدراتهم, فيما المنشقون عنها العابثون بقرارها, او المنسحبون منها لاستعصاء مسالك مشاريعهم الذاتية كانوا على الدوام يحملون أدباش فشلهم وخيباتهم على ركاب بعير مصالحهم الخاصة جدا .فمن البديهي ألا يهنأ بال ضعاف النفوس وهم يرون الحركة تتقدم في المسار الصحيح والسليم نحو أهدافها الوطنية . فمثل هؤلاء لن يسعفهم الحظ بأن يشمتوا بقيادتها فلطاما تمنوا دخولها متاهات السياسة الوطنية والدولية, وتحينوا الفرصة للانقضاض لحظة سقوط القيادة المركزية فيما كانوا يظنون ان شراكهم ستطيح بالحركة ولن تقيم لها قائمة .. لكن رياح الحقيقة ذهبت بما كانوا يظنون.

تقتضي الامانة الوطنية ان يكون لقيادة حركة عظيمة في سجل التاريخ الوطني الفلسطيني امتلاك القدرة والارادة على صون وحدتها وأمن تنظيمها, وصياغة مستقبلها, فتمنع بكل ما تملك حسب النظام كل اسباب الحياة لأي ظاهرة قد تسبب الوهن والضعف, او تجعل مصالح الحركة محل شد وجذب في ميدان النزاعات الشخصية . أو ان تأخذها لميادين الصراعات الجهوية .

 تقتضي امانة المسؤولية والالتزام ان يتخذ رأس الهرم القيادي في الحركة كل ما من شأنه ضبط التوازن للحركة, والحفاظ على هيبتها وسمعتها ووحدتها فمع كل هزة عنيفة شديدة اوراق ضعيفة, وتتكسر غصون خاوية, لايهم, فرب ضارة نافعة, فهنا ستنكشف وجوه, وتسقط اقنعة, سيتم تمييز الملتزم المنتمي للحركة من المتزمت المتنامية مصالحه الخاصة على حساب تضحيات وشرف مناضلي الحركة .. !. فالقيادة المستقوية بالحق والنظام كالطبيب الجراح, فالجرأة في اتخاذ قرار اجراء العملية الجراحية لا تقل خطورة عن اللحظة التي يتم فيها اعمال المشرط بالموضع المريض من الجسد .. والا فان الداء سيعم وهذا مالم يكن ممكنا السماح له ان يكون.

لم ولن تسقط مؤسسات حركة فتح واطرها القيادية في مستنقع الحزبية او الرؤية احادية الزاوية, اداركا من قيادتها, وكوادرها ومناضليها ان الداء القاتل لأي حركة تحرر وطني هو النزوع نحو المصالح الفئوية والحزبية وكذلك المنازعات من اجل مصالح ومكاسب شخصية, فالاطر القيادية لحركة فتح عكست مفاهيمها للعمل الوطني على الاطر القاعدية حتى بات كل مناضل فتحاوي مؤمنا بان العمل التنظيمي هو السمة الفتحاوية الوحيدة وما عداه فان فتح للوطن والشعب بمناضليها, مؤسساتها, مفاهيمها وقراراتها, توجهاتها, تكتيكها, استراتيجيتها وبأهدافها, فما يأتي من خير عن الشعب والوطن يعود على فتح, وما يأتي لفتح فانه سيكون حقا للشعب الفلسطيني, فالانجاز سياسيا كان او ماديا فانه ليس لفتح اكثر من نصيب الشرف بتحقيق الانجاز لصالح الشعب الفلسطيني. فنكران الذات كمنهج اسسته فتح وكرسته كمدرسة نضالية وطنية.

يقرأ الفتحاويون ما يلوح في الافق ببصيرة, بعيون المسؤولية ليس في الحفاظ على نسق حياة الحركة من حيث البحث في قوة وصلابة تنظيمها وتصويب اوضاعها الداخلية وحسب,بل يذهبون الى حدود استطلاع آفاق الواقع الوطني برمته, وبحث نقله بأمان او بأقل الخسائر الى ارض واقع جديد حيث تتحقق الاهداف او على الاقل تطوير ما تم انجازه على الصعيد الوطني والحفاظ عليه كحق تم انجازه بفضل تضحيات الشعب الفلسطيني, فحركة فتح تكبر بحجم مردود الانجازات الوطنية على الشعب.

يعرف الجمهور حجم الانجازات التي حققتها قيادات حركة فتح على صعيد اعادة وضع القضية الفلسطينية ومصالح الشعب الفلسطيني في اقطار عربية وبلدان اجنبية, فالحركة شبكت علاقاتها مع قوى واحزاب وحتى حكومات وطورتها وربطتها بمعيار المكاسب السياسية ونصرة القضية الفلسطينية والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني, فلا حديث لقادة فتح مع القيادات العربية الا بالمواضيع ذات الشأن الوطني. وقد يكون هذا سر تجذر العلاقة ما بين الحركة والجماهير العربية وشعوب العالم رغم كل حالات الجزر والمد التي شهدتها الحركة خلال عقود من العمل النضالي.

تعمل فتح على اعادة شرايين الحياة واوردتها في جسم العلاقة القومية بين الشعب الفلسطيني وشعوب الامة العربية, بعد استخلاص العبر من اسباب انسدادها وانقطاعها، فالحركة لا تنطلق من رؤيتها الاستراتيجية الثابتة بأن الامة العربية قلب القضية الفلسطينية وقلب الثورة الفلسطينية وحسب, بل من قراءة معمقة ونظرة فاحصة ثاقبة واقعية للمتغيرات في الاقطار العربية ( الربيع العربي), فكل انجاز وتحول نحو الحرية والديمقراطية, والبناء الاقتصادي يتحقق لشعب من امة العرب سيعود خيره على القضية الفلسطينية, تماما كما انعكست انجازات فتح الكفاحية والنضالية على الامة العربية, فخرا واحساسا بالكرامة, وشعورا بالعزة في محطات كثيرة منها اطلاق العمل الفدائي كتجربة كفاحية نوعية اثبتت ذاتها بمعركة الكرامة 21 اذار عام 1968 بعد نكسة حزيران بتسعة اشهر, مرورا بالصمود في معركة بيروت 80 يوما, وصولا الى الخطاب التاريخي للرئيس ابو مازن في الامم المتحدة, فبعض العرب بكى متأثرا, وبعضهم قال صراحة: لقد شعرنا بالفخر والعزة.

قال ابو مازن ارفعوا رؤوسكم فأنتم فلسطينيون, وناضلت فتح لابقاء فلسطين حاضرة في قلوب الفلسطينيين والعرب وكان لها ما ارادت, وبقي الفلسطينيون والعرب في قلب فتح. فالحركة الوطنية التي تجدد ربيعها كل حين ستحيا وتنتصر