درجت العادة في العالم الغربي مع انقضاء عام ودخول عام جديد أن يتحدث الناس عن قراراتهم التي اتخذوها لينفذوها خلال السنة المقبلة، باعتبار أن التخطيط وتحديد الأهداف هو جزء أصيل من منظومة التفاؤل التي تحل مع ولادة سنة جديدة.
ولو أسقطنا هذا الأمر على مشهدنا الفلسطيني وسمحنا لأنفسنا مجتمعين بأن نفكر ضمن دائرة أوسع بقراراتنا الوطنية التي يجب أن نستكملها خلال عام، فربما خرجنا بإجماع حول بعض الخطوات الواجب متابعتها:
أولها، إتمام المصالحة الفلسطينية قولا وفعلا ليس فقط لكل الاعتبارات المعنوية والسياسية والإنسانية والاجتماعية المعروفة وغيرها مما استنزفت أقلام كثيرة في الكتابة عنها، بل أيضا لقناعة يجب ألا تنسى، وهي أن مصداقية جميع الأحزاب السياسية، (ولا أبالغ عندما أقول بأنه وحتى حياتها في قلوب الناس وجمهورها)، ستكون عرضة للزعزعة وربما الاندثار إذا لم تنجز المصالحة. لأننا شئنا أم أبينا، أعجبنا أم لم يعجبنا فإن عامة الناس غير المتحزبين ينتاب الكم الكبير منهم الشعور بأن الفصائل الفلسطينية باختلافها وخلافاتها ربما تكون عبئا على العمل الوطني، ما لم ترتب أمورها وتنجز تصالحها الشامل وتركز على السبب الرئيس لخروجها إلى حيز الوجود ألا وهو إنهاء الاحتلال.
ثاني قرارتنا يجب أن يكون التركيز الأكبر على ملف الأمم المتحدة للاعتبار الأول، ألا وهو تجريد الاحتلال من أي غطاء دولي وإنهاؤه دبلوماسيا من ثم عمليا. فالبعض ومع هدوء الأمور، يخشى أن يكون التوجه للأمم المتحدة قد خبت ناره أو تباطأ، لذا فإننا يجب أن نتبنى في ملف الأمم المتحدة ما يحلو لي تسميته 'بدبلوماسية كرة الثلج المتدحرجة' التي تزداد كبرا وثقلا مع مرور الوقت، أي ببساطة علينا أن نذهب في كل اتجاه، نبحث عن عضوية كاملة في مؤسسات الأمم المتحدة بعد نجاحنا في 'اليونسكو'، أو نتوجه نحو الجمعية العامة للتصويت على عضويتنا الكاملة خاصة بعد نجاحنا في التصويت على حقنا بتقرير مصيرنا في ذلك المحفل، إضافة إلى تكثيف الحراك الدبلوماسي ومتابعة الأعضاء الجدد في مجلس الأمن لضمان دعمهم كأذربيجان، والتوغو، وغواتيمالا، وغيرهم.
يجب ألا نستكين، لا نهدأ، لا نرتاح بهذا الشأن رغم تفهمي لبعض التحفظات التي يحملها البعض بشأن ملف الأمم المتحدة برمته وجدواه وتأثيره وجدلية التوجه للجمعية العامة من عدمه، لكن المشوار قد بدأ ويجب عدم التراجع خاصة وأن من يخوض معركة تهتز أقدامه فيها ولا يعرف عقباها فهو مغامر، و لا أعتقد أن أحدا في عالم السياسة المضطرب اليوم يحتمل أن يغامر.
وثالث القرارات، هو التركيز على مدينة القدس قولا وفعلا وإشمالها بصورة واضحة بملف الأمم المتحدة ضمن قرارات تفرد لها، وتوظيف عضويتنا الكاملة في 'اليونسكو' لحماية المدينة وإرثها وأهلها، إضافة إلى اتخاذ الخطوات العملية التي من شأنها حماية المدينة وأهلها.
ورابع القرارات هو تدويل قضية الأسرى والتركيز عليها بصورة غير مسبوقة ومتابعتها باعتبارها قضية محورية من خلال خطوات عملية رسمية وشعبية، والنهوض بالوعي الشعبي بأهميتها وإضافتها إلى استحقاقي وقف الاستيطان والالتزام بحدود الرابع من حزيران، لتصبح استحقاقا ثالثا نلتزم بالتمسك بالمطالبة به دونما تردد.
وخامس القرارات هو استحداث خطة 'مارشالية' لإعمار وإنعاش قطاع غزة وتطويره والضغط تجاه النهوض القطاعي فيه والسعي لضمان حركة أكبر للبضائع والأفراد، واتخاذ جملة قرارات توافقية سيادية تسمح لازدهار اقتصادي ضمن منظومة قانونية وضرائبية تسهيلية تشجيعية لا تشمل القطاع فحسب، وإنما أيضا البلدة القديمة في الخليل والمناطق المهددة المحاذية للجدار وغيرها.
وسادس القرارات، تشجيع العمل الشعبي المقاطع والمقاوم على طريقته وتحفيز الشباب على المشاركة المجتمعية والسياسية، والتعامل مع الملف الشعبي على أرضية التكامل لا التنافس بحيث يأتي العمل الشعبي كرافد للعمل الرسمي.
أما القرار السابع، فيتمحور حول تدعيم ما أسميه بقطاعات الصمود الشعبي كالتعليم والصحة والاقتصاد والبنية التحتية، باعتبارها المكونات الحقيقية للثبات والقدرة على مواجهة الاحتلال وعناصر البناء الحقيقي والتنمية الفعلية.
أما ثامن القرارات، فيجب أن يتناول مد الجسور الأكثر ارتباطا بأهلنا في الداخل الذين يعتبر الكثير منهم بأن زحمة الحديث عن حدود الرابع من حزيران ٦٧ تتجاهل حقوقهم وتستثني طموحاتهم وتتجاهل ومخاوفهم، وهنا يتجلى الحرص أيضا على التركيز على حق العودة كحق أصيل لا يمكن التنازل عنه.
وتاسع قراراتنا هو إعادة الالتحام بجالياتنا الفلسطينية واتخاذ الخطوات اللازمة لتعزيز التواصل معها وتعزيز دور سفاراتنا بهذا الاتجاه.
أما عاشر القرارات، فأتركه للشأن الداخلي لكل فصيل من باب المراجعة والمحاسبة وتطوير الأداء والمساهمة الفاعلة في تطبيق القرارات آنفة الذكر.
فماذا لو كان 2012 عام المصالحة، والانتصار الدبلوماسي، والأسرى، والقدس، وغزة، والمقاومة الشعبية، والصمود، وتطوير العمل الفصائلي، كم سنكون يا ترى أقرب إلى الاستقلال؟
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها