في مثل هذا اليوم في عام 1965 صدر البيان العسكري الاول لحركة فتح بعد عملية نفق عيلبون معلنا بداية عهد فلسطيني جديد ومدشنا مسيرة الثورة الفلسطينية التي تبنت الكفاح المسلح نهجا وسط ركام الهزيمة والنسيان والخوف الذي تراكم منذ النكبة عام 1948.

كانوا فئة قليلة من الثوار عاهدوا الله والشعب على بدء العمل الفدائي لتحرير فلسطين، وتحريك الشعوب العربية التي ما أن تحررت من الاستعمار والاستعباد حتى وقعت تحت سلطة الاستبداد فكانت فتح اول انموذج ثوري عربي شامل يضم كل الأطياف السياسية الاسلامية والقومية واليسارية طالما آمنت بالهدف التحرري الواحد.

واذ كنا اليوم نحتفل بذكرى الانطلاقة الأولى فإننا لا بد واعون ان روح الانطلاقة يجب الا تخفت في نفوسنا لأن المسيرة لم تنته والمشروع الوطني الفلسطيني الذي قادته فتح ما زال قائما يحتاج الىكل السواعد والهمم حتى يتحقق على ارضه.

لم يكن قادتنا الاوائل بدءا من الزعيم الراحل ابو عمار ورفاقه اعضاء اللجنة المركزية الشهداء ومن ظل على قيد النضال حتى الآن بالحالمين بل كانوا واقعيين يناطحون المستحيل ويواجهون جبروت الاستعمار ورأس حريته اسرائيل واذياله من النظم الخائفة، وكان داعمهم الاكبر هو الشعب الفلسطيني وطلائع الاحرار في الشعب العربي ولعل المتابع لحركة الثورة منذ البدء ليجد انها كرست اغلب جهدها لرد الهجمات والمؤامرات التي كانت تحاك ضدها، وما زالت حتى الآن تواجه مسلسل التآمر دون كلل. وكأن هناك وكلاء عن الاحتلال يتولون مشاغلة الثورة حتى لا تكثّف نضالها ضده.

يظن البعض ان حركة فتح في وسط الانتفاضات الشعبية العربية قد اوشكت على الاستسلام سواء للاحتلال او لاحزاب الاسلام السياسي القديمة الجديدة التي حققت فوزا في بعض الدول. لكن فتح لم تكن في اي يوم طالبة سلطة او حكم او جاه ولم تدخل مساومات مشروطة لكي تتولى مقاليد السلطة بل كانت دوما ترى في اي مكسب خطوة تقربها من تحقيق المشروع الوطني الفلسطيني وهي ما زالت على هذا العهد، لا تساوم ولا تخضع للابتزاز، وكم من الانتكاسات والحصارات التي مرت بها فتح لكنها في كل مرة كانت تنبعث مجددا من رماد الهزيمة كطائر الفينيق اكثر قوة واصرارا على استكمال المسيرة التحررية. فهي ليست حزبا تابعا ولا حركة مروضة ولا ساعية الى رخاء السلطة بل هي ثورة بركانية لها خمودها ونشاطها، حركة شعبية لا احد يتوقع هدوءها المسالم بغية تحقيق اهدافها او غضبها المفاجئ عندما يجد الجد وتهب رياح الجنة ويطيب الموت في ظلال الوطن والسيوف.

فتح هي ضمير شعبها وهي الحركة الوحيدة التي تركت لشعبها القيادة لأن الشعوب اسبق من القادة. واذ كنا نحيي ذكرى انطلاقتها فإننا لا بد من ان نترحم على شهيدها الاول احمد موسى وآلاف من الشهداء الابرار وقادتها الذين قضوا وهم في ميدان المواجهة والصدام. وحركة لها كل هذا التراث الجهادي لا تموت بل قادرة على التجدد في كل حين.