خارطة إسرائيل القديمة الجديدة التي نشرتها وزارة الخارجية الإسرائيلية على صفحتها الرسمية، وكان قد عرضها بنيامين نتنياهو أثناء إلقاء خطابه في الدورة الأخيرة "78" أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر 2024، وقبل ذلك عرضها وزير المالية، بتسليئيل في 19 آذار/مارس 2023 أثناء زيارته لباريس أمام منصة عليها خارطة لـ"أرض إسرائيل الكبرى" المزعومة، التي ستضم أجزاء من لبنان وسوريا والأردن والعراق ومصر والسعودية، وبحسب وثيقة ينون الصهيونية ستقيم إسرائيل عددًا من الدويلات الوكيلة لضمان تفوقها في المنطقة.
هذه الخارطة ليست جديدة، بل قديمة جدًا، كان مؤسس الحركة الصهيونية ثيودور هيرتزل طرحها عام 1904، عندما أعلن عن مشروعه التوسعي، وزعم أن "حدود دولة إسرائيل تمتد من نهر النيل إلى نهر الفرات". وهو ما يزعمه معهد "التوراة والأرض" الإسرائيلي عبر موقعه الإلكتروني، أن "أرض إسرائيل الكبرى تمتد من نهر الفرات شرقًا إلى نهر النيل جنوبا". وتوارث قادة الحركة الصهيونية هذا المعتقد المزعوم، وواصلوا لتحقيق هذا الهدف الصهيوني الاستعماري على مدار العقود الماضية من تاريخ الصراع العربي الصهيوني، الذي يزيد عن 120 عامًا.
إذًا وبحسب الخارطة الهدف الصهيوني ليس وليد حكومة نتنياهو الائتلافية، إنما هي قديمة أقدم من نشوء وتأسيس الحركة الصهيونية. لكن الجديد إعادة طرحها مجددًا بعد أن اعتقدت الحكومة النازية الحالية، أن الشروط الذاتية والموضوعية التي يمر بها الوطن العربي وإقليم الشرق الأوسط والتطورات الجيوسياسية العالمية تقربها من تحقيق الهدف التاريخي، لذلك أدارت الظهر لعملية السلام كليًا، وكان زعيم الليكود أصل لها منذ توليه أول حكومة عام 1996، مع إعلانه الواضح والصريح، إنه سيعمل على دفن اتفاقية أوسلو 1993، ونجح في تحقيق هدفه عبر سلسلة من الخطوات المتعاقبة بين التحريض والاغتيال والسجن لرؤساء الوزراء الذين سبقوه أو تولوا الرئاسة بعده "إسحاق رابين وايهود أولمرت" وكان لهم مواقف إيجابية نسبيًا من عملية السلام، وصولاً لائتلافه مع الإرهابيين سموتريش وبن غفير، وشن الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني تحت قيادة إدارة بايدن الأميركية بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 منذ 467 يومًا حتى الآن.
المؤكد أن خارطة إسرائيل المزعومة لا يسندها تاريخ، ولا جغرافيا ولا موروث حضاري، ولا صلة لها بالواقع، بل تستند إلى الأساطير والخزعبلات اللاهوتية والمشروع الاستعماري الامبريالي الذي أصل له مؤتمر كامبل نبرمان 1905- 1907، لأن الهدف من وجود الحركة الصهيونية ومن ثم تأسيس الدولة الإسرائيلية عام 1948 هو خدمة المشروع الغربي في الهيمنة على الوطن العربي ونهب ثرواته وطاقاته، والحؤول دون نهوض المشروع القومي العربي، وفي ذات الوقت، التخلص من المسألة اليهودية التي أرقت دول الغرب الأوروبي تاريخيًا منذ عصر النهضة نهاية القرن السادس عشر.
ومع تسارع الأحداث بعد صفقة القرن التي بدأ تنفيذها نهاية 2017 بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتوقيع اتفاقيات الاستسلام بين إسرائيل ودول عربية 2020، والانهيارات في لبنان وسوريا نهاية العام الماضي ومطلع العام الحالي 2025، الذي عبر عنه نتنياهو بتغيير خارطة الشرق الأوسط، وهو ما عزز لدى حكومة الائتلاف النازية القناعة، بأن تحقيق الخارطة المزعومة بات أمرًا ممكنًا وواقعيًا من وجهة نظهرهم، حيث افترضوا أن الشروط الذاتية والموضوعية موائمة نتيجة حالة البؤس والتآكل في الواقع العربي الرسمي، ونتاج عدم تمكن المجتمع الدولي من كبح جماح دولة الأبرتهايد والتطهير العرقي الإسرائيلية، رغم الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني، التي فاقت في أهوالها وبشاعتها وفظاعتها مفردات اللغات الإنسانية كافةً، وكون الغرب الامبريالي بزعامة الولايات المتحدة يقف في ذات الخندق، لا بل شكل خط الهجوم الأول على الشعب الفلسطيني وشعوب الأمة العربية، وسحب البساط بوسائل متعددة من دول الإقليم (إيران وتركيا بمعايير مختلفة) المنافسة له في السعي لتقاسم النفوذ في الوطن العربي، والحصول على جزء من الكعكة العربية.
باختصار ردود الفعل العربية الرافضة للخارطة الإسرائيلية، كونها تستهدفها، لا تسمن ولا تغني من جوع، وتعكس الواقع العربي المثخن بالجراح والممزق، ومن خلفه الدول الإسلامية، ولأن من يريد مواجهة التحدي الصهيو أميركي يحتاج إلى خطاب وأدوات وآليات عمل مغايرة، وإلا فإن الخارطة المزعومة قد تصبح حقيقة، إن لم يستيقظ العرب، وتنهض من سباتها قوى التغيير النهضوية العربية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها