أيحتاج دم غزة الواضح، البليغ، إلى معجم لغوي، لنفهم أنه دم الضحايا الأبرياء الذي سفح ظلمًا وعدوانًا على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي، ولأنه كذلك لن يرضى أبدًا أن يذهب هدرًا، وإن كان سيرحب حتى بغصة، بأي اتفاق يطلق سراح أحبته من سجون الاحتلال، ويؤمن وقفًا دائمًا للحرب، لا وقفًا لعملياتها العسكرية فحسب. وقف الحرب التي منذ يومها الأول، طالبت القيادة الفلسطينية به، وخاطب الرئيس أبو مازن العالم كله من أجله، وذهب به إلى مجلس الأمن مرات عديدة، لأجل أن يكون وقفًا دائمًا بتسوية شاملة.
أيحتاج هذا الدم العزيز الطاهر إلى أي لغة ممكنة ليقول: إنه سفح أيضًا بسبب ما جعلها الاحتلال الإسرائيلي ذريعة له، وكان اسمها "طوفان الأقصى" حتى حولها إلى عربة حربية، حملها بكل أنواع أسلحة القتل، وأكثرها فتكًا، واقتحم بها قطاع غزة، وأبقاها هناك دائرة بعجلات الهرس، والتدمير، للقطاع وأهله، ليلاً ونهارًا، منذ خمسة عشر شهرًا، وما زالت هذه العربة المقيتة، دائرة هناك، حتى هذه اللحظة.
أيحتاج دم غزة هذا الطاهر العزيز، إلى أي شروحات كي نفهم هذه الحقيقة لنسأل أي حسابات تلك التي تجاهلت عدوانية الاحتلال، وعنصريته، بل وفاشيته، فدفعت بمغامرة لم تكن سوى قفزة في فراغ المجهول تحت شعاراتٍ كبرى من تحرير فلسطين إلى نهاية عصر القصف الإسرائيلي لعواصم العرب قد باتت طي النسيان بل طي التجاهل في الصفقة المنتظرة، أو لم تكن هذه الحسابات تعرف أن هدف الاحتلال الاستراتيجي بشأن فلسطين هو شطبها تمامًا كقضية عادلة، وحقوق مشروعة، وتطلعات نبيلة، من خلال ذبح أهلها، وذبح روحهم وإصرارهم على نيل الحرية والاستقلال.
ليست هذه هي أسئلة هذا الدم الطاهر فحسب، بل إنها بعض مواجعه، وبعض تطلعاته أن يكون الثمن في المحصلة مساويًا لطهارته وعزته، وعلى الأقل أن يفتح اتفاق "وقف العمليات العسكرية" في قطاع غزة الباب على وقف دائم للحرب لا وقف لهذه العمليات التي أسفرت الليلة الماضية عن عشرات الشهداء والجرحى. خمسة عشر شهراً من حرب الإبادة لن نسمح أبداً أن تكون بلا ذاكرة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها