على مدار  أكثر من عام ونيف  وقطاع غزة يعيش تحت وطأة حرب الإبادة التي لم ترحم أحدًا ولم تفرق بين الجحر والشجر ولا بين الطفل والمرأة ولا حتى بين الشيخ والشاب، حتى المدارس والمستشفيات ومراكز الإيواء تم استهدافها هذا بشكل عام، وبشكل خاص هناك فئة محددة تعتبر  العدو الأول لجيش الاحتلال، وهي "عين الحقيقة-الصحافة والصحافيين الذين يمارسون عملهم في الميدان وساحة العدوان بواسطة الكاميرات والدفاتر والأقلام والذين يحاولون نقل الحقيقة كما هي إلى العالم".
وعن معضلتهم ومشكلتهم أمام العدو فجر يمتهم  الوحيدة، هي أنهم أسود في الميدان، هي أنهم يروون ما يرونه بأم أعينهم، وما يسمعونه بآذانهم، وما يعيشونه في شوارع غزة المحترقة، ولكن يبدو أن الحقيقة جريمة يُعاقب عليها بالموت.

حيث بلغ عدد الصحافيين الذين قتلوا وبطريقة مباشرة في قطاع غزة "202" صحافيًا وفقًا لتقارير  وإحصائيات إعلامية، وأصيب "399" آخرين بجروح خطيرة.
وتم التعرف على 43 صحافيًا تم اعتقالهم أو احتجازهم دون تهم واضحة أو محاكمات عادلة داخل سجون الاحتلال.
وهؤلاء ليسوا أرقامًا تعد وتحصى بل هم أسماء  ووجوه وحكايات منهم الزملاء والأصدقاء والجيران  وهم من كانوا يوثقون جرائم الاحتلال والأحداث ويتولون إيصال صوتنا للعالم، وباستشهادهم أصبحوا هم أنفسهم الحدث. ولكن العالم بدلاً من أن يستمع، اختار أن يصم أذنيه ويغمض عينيه عن هذا الواقع.
ورغم أن القوانين الدولية واتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكول الإضافي الأول ينصان على أن "الصحافيين مدنيين ويجب ألا يتم استهدافهم"، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان يؤكد على (حق كل شخص في حرية الرأي والتعبير) ولكن أين هي هذه القوانين عندما يتعلق الأمر بغزة؟ أين هي الحماية التي وُعد بها الصحافيون؟.
يبدو أن هذه النصوص القانونية مجرد حبر على ورق، لا قيمة لها في مواجهة آلة الحرب التي لا تعرف سوى لغة القوة.

فالصحافيون في قطاع غزة ومنذ اندلاع الحرب  وهم يعملون في ظروف غير عادية وغير مسبوقة وتلك الظروف لا يمكن وصفها إلا بالجحيم، محاصرين بالقصف الجوي والمدفعي والذي لم يتوقف منذ اندلاع الحرب.
ومع استمرار الحرب والمخاطر التي تحيط بالصحافيين، فالكثير منهم فقدوا زملائهم في العمل  ودمرت مكاتبهم ومقراتهم الإعلامية، ومع كل هذا المشهد الدموي يواصلون عملهم بكل شجاعة وحب   المهنة. 
وحيث أن مقتلهم وإصابتهم أحدث آلامًا فينا إلا أن الأكثر إيلامًا هو الصمت الدولي والعالم الظالم يشاهد بأم عينيه كيف يتم استهداف الصحافيين وكيف تُقتَل الحقيقة والصورة والكلمة وتدمر البيوت والمقرات الصحافية ولم يتحرك أحد برفع صوته حتى.
وهنا نقول: إن الصمت ليس مجرد تقصير بل هو تؤاطؤ مع الجرائم الإسرائيلية التي ترتكب  يوميًا بحق شعبٍ أعزل، وضد الصحافيين الذين يحاولون نقل الحقيقة ومعاناة الناس. فقتل الصحافيين هو قتل الحقيقة ذاتها وإن قبول العالم بهذا الواقع هو بحد ذاته خيانة فعلية للإنسانية، والصحافيين الذين  يستحقون أن يعيشوا في عالم يحترم الصحافة والحقيقة ولا يُعَاقَب من يقولها، هم ليسوا مجرد بيانات إدانة، بل هم يستحقون حماية فعلية.