عندما كنا نكتب أو نحاضر بخصوص التحديات التي تواجهنا كشعب فلسطيني يرزح تحت الاحتلال نقول أول هذه التحديات هو التخلص من الاحتلال، لأنه ببساطة معيق لكل برامج التنمية وتعزيز الأمن، وتقديم الخدمات، والاحتلال استولى على مقدرتنا وسرق أرضنا، والاحتلال أقام الحواجز والبوابات وأغلق المدن، وأربك الاقتصاد. كل هذا صحيح بل وأكثر من ذلك بكثير. لكن في خضم تلك المعركة نسينا أن ننتبه ماذا يدور، وخاصة إلى الإدراك والمفاهيم التي تتعرض إلى التغذية الموجهة للتضليل، مع تطور التقنيات وأدوات التواصل الاجتماعي والإعلام الاجتماعي بكافة أنواعه وتفاصيله، يبدو أننا أغفلنا الإنسان الفلسطيني كما أغفلنا دور تلك الأدوات في التأثير. الإعلام الموجه بمختلف الأشكال من الفضائيات والفيس بوك، والتيك توك، والثريد، والواتس أب، والانستغرام، وتويتر، وغيرها الكثير، أصبح أمامنا مؤثرات ذات تأثير عابر للقارات تصب كل أشكال المعلومات وبعضها يدس السم في العسل. منها ذات التأثير الأخلاقي، ومنها ذو التأثير القيمي، ومنها ذو تأثير اجتماعي، ومنها ذو التأثير السياسي. ومع التداول والتصفح في تلك المؤثرات بتنا نواجه أخطارها وتهديدها المؤثر على مجتماعاتنا الشرقية. فهي أصبحت كالسحر تتلقف أذهاننا محتوياته، وبتنا ننتج إفرازات هذا التأثير. لقد باتت هذه الوسائل من أخطر التحديات التي تواجه الشعوب في ثقافتها ودورها التنموي والفاعل. عندما تسلب العقول ويتم توجيهها من خلال زراعة المفاهيم الجديد، كيف يمكن لنا إعادة مسحها والتغلب عليها، والأهم إعادة مواطنًا إلى رشده وعقله ليحافظ على إنسانيته في إطار الموروث الثقافي والاجتماعي والقيمي.

الشعب الفلسطيني وكل الشعوب العربية، هي تحت دائرة الاستهداف من قوى الاستعمار التي تعمل ليل نهار من أجل النيل منه، واتخذت إلى تلك الأهداف وسيلة. لقد بات ينقصنا الإعلام الوطني الذي يواجه هذا التحدي، لقد أصبحت مقتنعًا أن مواجهة هذه التحديات أمرًا يتعرض لمصاعب تحدٍّ من إمكانية القيام بهذه المهام.

كل التوجهات القائمة تعمل على تشتيت الشعب الفلسطيني وإمكانياته، وهذا الحقيقي في فلسطين، هو التحدي الحقيقي الذي يواجه الشعب الفلسطيني ويشكل خطرًا على الشعوب العربية كلها. وحدة الشعب الفلسطيني، هي اليوم في أعلى سلم التحديات، كيف الوصول إليها، وكيف نعيد برمجة الشعب الفلسطيني، إلى إعادة التلاحم بين أطيافها وإنهاء التشتت والانقسام الذي يتعرض للتآكل بسبب الدعم الواسع لتفتيت الشعب الفلسطيني.

دعونا  نلقي نظرة على الميدان الفلسطيني، أولاً الانقسام الذي دار رحاه في غزة منذ عام 2007 وحتى هذه اللحظة، وليس هذا في غزة فقط الانقسام الذي قامت به حركة حماس كان له تأثيره في الضفة الغربية وبالرغم من مشاركة حماس الانتخابات في الجامعات والهيئات المحلية ومنع إجراؤها في قطاع غزة إلا أن الانقسام يدور رحاه في المجتمع الفلسطيني، واستثني الواقع الاجتماعي والاقتصادي الذي ظل صامدًا في وجه الانقسام السياسي.

من عزز الانقسام ومن عمل على ديمومته يطرح هذا السؤال نفسه. لقد تم هذا الانقسام برعاية دولية أولها إسرائيل التي عملت على رعايته وإيجاد مصادر التمويل له إلى اليوم الذي اتخذت القرار بالانقضاض عليه، وتنفيذ الخارطة الجديدة للشرق الأوسط. وهناك دول أخرى عربية وإسلامية لها أبعاد كبيرة في هذا الانقسام وتمويله.

وهناك أيضًا مجموعة محمد دحلان، وتلاقي دعمًا من إحدى الدول العربية وتحاول أن تجد له مكانًا في صناعة القرار الفلسطيني، أضف إلى ذلك محور المجموعات الفلسطينية التي عاشت في سوريا وكان التأثير السوري عليها كبيرًا من الدور السياسي الذي تلعبه هذه الفصائل. وأيضًا المحور الإيراني الذي يدعم بشكل مباشر حركة حماس والجهاد الإسلامي وأيضًا له تأثيره المباشر على الواقع الفلسطيني. بحر متلاطم الأمواج لا يهدء ما بين إيران وقطر والإمارات العربية وإسرائيل كل هذه التجاذبات، وفلسطين تقع في وحل هؤلاء جميعًا، أما السلطة الفلسطينية وهي الوجه الفلسطيني المستقل، نفذت أنياب الجميع إلى جسدها الذي أصبح هزيلاً وتذروه الرياح والعواصف. ومن خلال كل المؤثرات التي تصل إلى الجمهور المحلي والعربي، وصفت بأقذع الأوصاف. وكأنهم يتجلون بهذا الإيقاع، لأنهم نجحوا اجتماعيًا في دق الخنجر في ظهر السلطة الفلسطينية. وكل الذي يحدث هو محاولة لإضعاف السلطة الفلسطينية من تمكنيها في تحقيق المشروع الوطني الفلسطيني في إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس. هذا لب الصراع الذي يدور رحاه في مصادرة القرار الفلسطيني المستقل لصالح التشرذم والداعمين له.

على حساب الشعب الفلسطيني، تتم كل الصفقات وقد دفع الشعب الفلسطيني ثمنًا لنضاله، ولكن أن يدفع ثمنًا من أجل مصادرة انجازاته، ويصير إلى القبور، والتحاف العراء، والعيش على الآلام والذكريات الموجعة، هذه صفقات خاسرة، بلا أهداف. نعم نموت وتحيا فلسطين وتبقى القدس عربية، هذا قرار يسير في وجدان الشعب الفلسطيني وقضى الشهيد ياسر عرفات، وجورج وحبش، والرنتيسي، والشهيد أحمد ياسين شهداء المسيرة من أجلهم جمعتهم الكلمة. الاختلاف سيد الموقف دائمًا وسيبقى دائمًا الاختلافات في القضايا العامة وهي ظاهرة صحية، ولكن وحدة الشعب ووحدة المصير لا جدال عليها.

إسرائيل في تاريخها كانت وما زالت تصدر قرارات القتل والإعدام الميداني على القادة الفلسطينيين الذين يدعون إلى الوحدة الفلسطينية، لذا تم إعدام الشهيد العاروري، والشهيد أبو جهاد والشهيد أبو إياد وسيد الشهداء ياسر عرفات وغيرهم من القادة الفلسطينيين.

في سلم الأولويات الوحدة الفلسطينية، وكل الباقي تفاصيل لا تحتاج وحدتنا إلى تدخل من هنا وهناك، لأن فيها نضالنا ولأن فيها حريتنا ولأنها طريقنا لإنهاء الاحتلال.

يا وطن الشهداء

يا وطن الأنبياء تكامل

ويا وطن الزارعين تكامل

ويا وطن الشهداء تكامل

ويا وطن الضائعين تكامل

فكل شعاب الجبال امتداد لهذا النشيد.