عبد الرحمن نبهان، وجه صغير يفيض براءة، يحمل في ملامحه إشراقة الأمل الذي ظل يقاوم قسوة الأيام، وابتسامة لم يطفئها الحصار. بشوشًا، مرحًا، حالمًا بغدٍّ مشرق، ينتظر بفارغ الصبر نهاية الحرب التي سرقت طفولته وأحلامه.
كغيره من أكثر من مليون طفل في غزة، وجد عبد الرحمن نفسه في مواجهة مصيرٍ قاس، حيث تحولت الحياة إلى سلسلة من الألم والحرمان.
في عام ثقيل مرير، فقد هؤلاء الأطفال منازلهم التي كانت ملاذهم الأول، ومدارسهم التي احتضنت أحلامهم الصغيرة، وألعابهم التي كانت تضيء عوالمهم. صواريخ الاحتلال لم تكتف بتمزيق الأرض، بل مزقت قلوبهم حين حصدت أرواح أحبائهم وأصدقائهم. ظلت الحرب تلاحقهم، وكأنها تطارد ما تبقى من طفولتهم، ولم تترك لهم سوى شبح الخوف وذكريات الألم.
ولم يكن الجوع سوى وحش آخر انقض عليهم دون رحمة، حاصرهم حتى صاروا يتدافعون في طوابير طويلة بحثًا عن لقمة تسد رمقهم. كانت رحلة البحث عن الطعام رحلة شقاء وذل، تثقل أجسادهم الصغيرة بالمعاناة وتحطم براءتهم تحت وطأة الحاجة والقهر.
هؤلاء الأطفال الذين عاهدوا الوطن بالبناء وعاهدوا الأرض بالبقاء وعاهدوا ذويهم بأن يفخروا بهم معلمين ومهندسين وأطباء وفنانين وشعراء ومهنٌ كثيرة يمكن من خلالها أن يرفعوا اسم البلاد عاليًا لكنهم لم يستطيعوا حتى البقاء آمنين أو العيش في مأمن عن مواجهة وحش الاحتلال وما خلفه من مآسٍ أصبحت مصيرهم المحتوم، هؤلاء الأطفال خذلهم العالم.
هذا العالم، الذي تعهد بحمايتهم وضمان حقوقهم في الحياة والنماء، خذلهم بلا خجل. وقف المجتمع الدولي شاهدًا على جرائم الاحتلال، فكان الصمت الدولي أشد وطأة من الصواريخ، في كل لحظة صمت كانت شهادة تواطؤ مع القاتل.
وفي هذا الواقع المرير، كان عبد الرحمن واحدًا من ضحايا المأساة التي لا تنتهي. ذات يوم من أيام الحرب الطاحنة، وقف الصغير في طابور الطعام بإحدى مدارس النصيرات، مرهقًا جائعًا، يسعى للحصول على وجبة تسد رمقه. لكنه، بدلاً من الطعام، وجد نفسه في مواجهة قدر يغلي، حيث انزلقت قدماه ليسقط في مياه حارقة التهمت جسده الصغير. كانت الحروق التي أصيب بها قاسية، وأودت بحياته البريئة، ليغادر العالم جائعًا ومحترقًا، تاركًا خلفه ألمًا يعجز القلم عن وصفه.
رحيل عبد الرحمن لم يكن مجرد مأساة فردية، بل وصمة عارٍ جديدة على جبين الإنسانية. كيف لعالم يدعي الدفاع عن حقوق الأطفال أن يقبل ويتقبل أن يلقى طفل بريء هذا المصير المأساوي؟ كيف لصمتهم أن يبرر دموع غزة وأنينها الذي تجاوز حدود الصبر؟.
عبد الرحمن رحل، لكن قصته ستظل شاهدًا على الخذلان، على قسوة الاحتلال، وعلى سقوط العالم في اختبار الإنسانية. أما نحن، سنبقى نحترق بألم الفقد، نحمل ذكرى عبد الرحمن وأطفالنا المعذبين كجرح مفتوح، وكنار تشتعل في القلوب، علها توقظ ضمائر نامت في وجه هذا الظلم.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها