هؤلاء الذين سلموا أمرهم للتمويل الإيراني في مخيم جنين، وارتضوا خدمة أجنداته، لا يعرفون شيئًا عن قوة وصلابة الشرعية الفلسطينية، وقرارها الوطني المستقل، لا يعرفون شيئًا عن تاريخ هذه القوة، وهذه الصلابة التي طالما ألحقت الهزيمة بكل من حاول مصادرة قرارها، وحرف مسارات نضالها، وقد خاضت أشرس المعارك، وأصعبها، وأكثرها تعقيدًا ضد التبعية والارتهان، دفاعًا عن سلامة النضال الوطني، وحماية لدوربه الصحيحة، لأجل تواصله نحو تحقيق كامل لأهدافه العادلة، في دحر الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطين، حرة ومستقلة، بعاصمتها القدس الشرقية.

كما أنهم لا يعرفون شيئًا عن عقيدة هذه الشرعية، وقيمها، ومفاهيمها الوطنية، بأخلاقياتها الرفيعة، وهي اليوم في مخيم جنين ترتضي شهداء من فرسانها، على أن تخوض معركة الدم، مع الخارجين عن القانون، هؤلاء الذين فقدوا كل رشد وطني وأخلاقي ممكن، باغتيالهم الصحفية شذى الصباح، وقبل ذلك بإطلاق رصاص القتل على أبناء جلدتهم من فرسان الأجهزة الأمنية الذين ما زالوا يضبطون رصاصهم، كي لا يكون قاتلاً، ولا بأي حال من الأحوال.

غرباء هؤلاء القتلة، عن تاريخ النضال الوطني الفلسطيني، غرباء عن الشرعية، غرباء عن حركة "فتح"، غرباء عن أي انتماء وطني، وغرباء حتى عن أنفسهم، لا شيء يعرفهم اليوم سوى التمويل الإيراني.

هؤلاء مجرد زمرة، يتوهمون بأن بنادقهم المستوردة قادرة على هزيمة الشرعية، والإجهاز على سلطتها، والزمرة كما في اللغة العربية، الجماعة القليلة من الناس، وقد خرجت جنين بحشودها الجامعة يوم أمس، لتؤكد حقيقة غربتهم، وحقيقة قلتهم، التي هي قلة في فرقة وتفرق، بدليل هروب بعض أفرادها لتسليم أنفسهم لجيش الاحتلال عند حواجزه العسكرية، كما نقلت ذلك أنباء إسرائيلية.

مجرد زمرة لا تعرف أن دولاً بجيوشها حاربت منظمة التحرير الفلسطينية، لمصادرة قرارها، وإسقاط شرعيتها، فما تمكنت منها، وقد هزمها القرار الوطني الفلسطيني المستقل، شر هزيمة، وها نحن نرى اليوم  أبرزها في مهاوي الهزيمة النكراء.

ملايين الدولارات من طهران ذهبت هباء، في مواقع  وساحات إقليميّة أكبر من مخيم جنين، وأكبر حتى من قطاع غزة وأكثر تسليحًا، وعدة، وعتادًا، ملايين تبخرت، وتبخر معها المحور، وخطاباته العنترية.

زمرة لا نرى شأنها بعد كل كلام غير شأن ذاك الوعل ناطح الصخرة، الذي جاء ذكره في بيت شعر للأعشى ما ضر الوعل الصخرة بنطحه، وقد أوهن النطح قرنه. وأيضًا، وعلى رأي أبو بكر النحوي "لو رجم النجم جميع الورى/لم يصل الرجم إلى النجم".

ونختم مع ما قاله الأخطل "ما يضر البحر أمسى زاخرًا/إن رمى فيه غلام بحجر". بحر الوطنية الفلسطينية بحر زاخر، ونجمها هو النجم عاليًا بنزاهة قيمه، وشرعية غاياته النبيلة، نجم لن تطاله حجارة العبث، والفوضى، والفلتان الأمني، والأخلاقي، ولو ضخمتها كل أموال طهران، وزينتها كل أحابيل اللغة، وشعاراتها المخادعة، فإنها لن تطال نجم الوطنية الفلسطينية التي هي قبل وبعد كل توصيف وتعريف، ليست شعارًا ولا خيارًا، بل طريق للحرية، والكرامة، والعزة، والاستقلال، وقد أخطأت هذه الزمرة، وعلى نحو فادح هذه الطريق.