الإنسان المؤمن بمبادئ وقيم، وعقيدة، والحافلة مسيرته في الحياة بعطاء بلا حدود، وافتداء وإيثار، ونكران للذات، لا يجزع، ولا يخاف، وإنما تتقبل نفسه مصيرها النهائي برضا وطمأنينة، ذلك لأنها تركت في دروب المسيرة انجازات نظرية وعملية، ستبقى نبراسًا للأجيال، فالشجاعة في الثقافة الإنسانية، تكمن لدى الإنسان المؤمن بأن الحياة هي السبيل، للتفكير والعمل، واستخلاص الحكمة والعبر من التجارب العملية، وإبداع أدوات مشروعة، لتحقيق الفوز والانتصار على صناع الموت، وأعداء الحق والحياة.
أما الفاشلون، العاجزون عن تحقيق الانجازات، ومبتدعو الانتصارات الغيبية الوهمية، فتراهم يسارعون لتعميم مصطلحاتٍ دينية، ضربت من كل جانب، لتتناسب مع دعايتهم، وادعاءاتهم وكذبهم ودجلهم على الناس، وكل ذلك للتغطية على دمار نفوس بشرية، وهلاك مجتمعات، ومحو عائلات من السجل المدني، ودمارٍ مواز لمقدرات البلاد المادية والأساسية يدفعهم العناد، وهم يعلمون يقينًا أن تقديس القتل، والموت عبثًا، وبلا هدف حق، ما كان من الثقافة الإنسانية، ولن يكون أبدًا، ويلوكون ألسنتهم عند كل منبر بمصطلح "التضحية". وهم يدركون، أن التضحية لا تعني دفع الناس وهم في عز الحاجة للحياة إلى الجحيم، ولا تعني تحويل أرض الوطن إلى مقبرة.
فأرض الوطن تحيا بشعبها الحي المبدع، بإنسانها المعطاء المناضل الملتزم بالمبادئ، لتحقيق أهداف إنسانية مشروعة، أسماها وأرقاها الحرية، العامل بعقله ويده على حماية حياة الشعب، وبذل أعظم وأحسن قدراته وإمكانياتها من أجل انتصار الحق، فالنفس هي أعظم ما يملكه الإنسان ذكرًا كان أو أنثى، والعاقل يبذل أقصى ما يستطيع للحفاظ على حياته، في سياق مسيرة ابتدأها بقناعة المؤمن بقدرته على العطاء، بلا حدود، وبقانون مراكمة الانجازات التي لا بد من توظيفها في عمل جمعي وطني، لمنح مسيرة العطاء والتضحية معناها، أما إذا حلت لحظة الحقيقة (الموت) أيًا كان السبب، والموقع المشرف، حيث تتوقف شرايين وأوردة قلب المناضل عن النبض. فإنه وفقا لمنطق الحقيقة، بات مؤهلاً لمنح الأحياء من بعده، شهادة عطاء وتضحية بامتياز في كتاب خطت كلماته وفصوله بمزيج من عرق ودم، وألم وأمل، وفرح وحزن، ونجاح، وخلاصة عبر من فشل.
لا يمكن لعاقل التسليم بالموت والدمار الشامل، وتعميمه كقناعة، تحت عنوان "التضحية" ووجوبها، و"المقاومة" وأثمانها. فهذا قول قاصر، فالأمم كالنحل والنمل، تقاوم وتضحي، ومن يدقق بأفعالها، يستخلص قوانين وقواعد يظنها خارج قدراته العقلية، فهذه الأمم مثلاً، تؤمن بأسباب وجودها واستمرارها، في المأكل والمأمن، والدفاع عن ذاتها جمعًا، وعن حدود ومركز موطنها، وموارد حياتها، فتراها تتمكن من مفترسات أكبر منها حجمًا وأثقل بمرات مضاعفة، لكنها تنجح بفضل اصرارها على الحياة، وبعقلية المحافظة على الوجود التي لا يدرك ولا يفقه لغتها وسلوكياتها البشر الفاشلون، فحتى أمم النحل والنمل، قد وضعت التضحية في مقامها الصحيح، ولم تعبث بقانون الحياة، ولم يغلبها أو تفنيها قوانين الافتراس والموت لدى أعدائها، فاعتبروا أيها الفاشلون.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها