للمرة الأولى يَمثُلُ رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو، أمام محكمة تل أبيب المركزية، وسط إجراءات أمنية مشدّدة، ليبدأ الإدلاء بشهادته في محاكمته بتهمة الفساد وفق لائحة اتهام تتضمن تقاضي الرَشَاوَى، والاحتيال، وخيانة الأمانة. حاول نتنياهو التهرّب من مواجهة الأدلّة، فيما لم يناقش اختصاص المحكمة ولم يعترض على استدعائه، بل سعى، بدلاً من ذلك إلى عرض بطولاته وإنجازاته العسكرية للتغطية على فساده؛ فوصف الاتهامات بأنها "سخيفة بكل بساطة"، علماً أن الادّعاء ضدّه استند إلى إفادات 120 شاهداً. وممّا قاله: "أنا أقود إسرائيل ودولة إسرائيل على سبع جبهات، وكنت أعتقد ولا أزال أنني أستطيع القيام بكل هذه الأشياء في وقت واحد". وتابع: "قبل أيام قليلة، حدث زلزال في منطقتنا، لقد غيّرنا بالفعل وجه الشرق الأوسط، وهذا له تأثيرات عالمية، إنه يتطلّب انتباهي من الممكن إيجاد توازن بين احتياجات البلاد، واحتياجات المحاكمة".
نتنياهو وخلال إدلائه بشهادته وفي تهرب من مواجهة الاتهامات، شكى الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، قائلاً: "خلال إدارة أوباما، توجّه الرئيس الأميركي آنذاك إلى العالم الإسلامي في خطابه الاسترضائي في القاهرة، وتوجّه إلى إيران باعتبارها ليست تهديداً كبيراً، بل فرصة". وأضاف: أن الأميركيين "طالبوا بتجميد كامل لبناء المستوطنات آنذاك، وتعرّضت لضغوط هائلة كنّا بحاجة إلى التعامل مع أوباما والتحدّيات السياسية والاحتجاجات الاجتماعية". كذلك، دافع نتنياهو عن زوجته سارة بعد انتشار أخبار في وسائل الإعلام الإسرائيلية عن فسادها، قائلاً: إنها "خضعت لاغتيال معنوي رهيب لشخصيتها، بينما هي تزور مرضى السرطان والجنود الجرحى في إسرائيل". وطلب من القضاة أثناء الجلسة، السماح له بالخروج من قاعة المحكمة للتعامل مع قضية أمن قومي"، بعد تلقيه رسالة أثناء إدلائه بإفاداته على المنصة.

وفي تباين المواقف في المستويين السياسي والشعبي يهتف أميت هاليفي عضو الكنيست تعليقاً على مثول رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أمام المحكمة للإدلاء بشهادته للمرة الأولى منذ اتهامه سنة 2019 بالاحتيال والرشوة وخيانة الأمانة، ولا يتردد هاليفي في استخدام لغة ديماغوجية وضيعة، فيضيف: أن هذه "ليست محاكمة بل جريمة كراهية دافعها نوع الكره ذاته الذي يحرّك أبناء الشعب الفلسطيني، وهي حرب مقدسة ضد ما يمثله نتنياهو من قيم وجمهور".
على الجانب الآخر، في صف ما يُسمى (المعارضة) الإسرائيلية، يعلق يائير غولاني زعيم الحزب الديمقراطي أن نتنياهو، منذ أن وُجهت إليه اتهامات جنائية، شنّ خمس حروب ضد دولة إسرائيل، ومنذ ذلك الوقت دُفعنا إلى خمسة انتخابات، وانقلاب مجنون مزّق أوصال الأمة، ومجزرة لم يسبق لها مثيل منذ صعود الصهيونية، ولقد فشلت كل حيلة وخدعة حاول نتنياهو تجريبها لمنع محاكمته، فهو يشكك في الاتهامات الموجهة ضده، معتبراً أن التهديد الحقيقي للديمقراطية في إسرائيل لا يشكله ممثلو الجمهور المنتخبون، بل بعض أفراد سلطات إنفاذ القانون الذين يرفضون قبول اختيار الناخبين ويحاولون تنفيذ انقلاب من خلال تحقيقات سياسية مسعورة غير مقبولة في أي ديمقراطية. ولم يكن غائباً عن الأذهان أنه رئيس الحكومة الأطول عهداً في تاريخ دولة الاحتلال من جانب أول، وأنه سجّل أول سابقة مثول لرئيس وزراء على رأس عمله يُحاكم لارتكابه جرائم وجنايات من جانب آخر.
ورغم سلسلة الادعاءات الصهيونية حول نزاهة القضاء الإسرائيلي وعمل المؤسسات داخل "الواحة الديمقراطية الوحيدة" في الشرق الأوسط، فإن المكان الأجدر باقتياد نتنياهو إليه هو المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت بحق نتنياهو وغالانت مذكرتَي اعتقال بتهم ارتكاب جرائم حرب ومسؤوليتهم عن عشرات المجازر التي أودت حتى الساعة بأرواح عشرات الآلاف من الضحايا والمفقودين، وقصف المشافي والملاجئ والخيام والمدارس والمساجد والكنائس، وتصريحات عنصرية وهمجية تستهوي تحويل البشر إلى حيوانات وتتلذذ بتجويع الأطفال والنساء والشيوخ وتشريدهم.

وكان نتنياهو استبق شهادته أمام محكمة تل أبيب بتحدي المحكمة، حين قال: "هذه هي الفرصة لتبديد الاتهامات الموجهة إليّ، هناك عبث كبير في الاتهامات وظلم كبير"، هكذا ادّعى نتنياهو خلال مؤتمر صحافي عقده الاثنين. وقال: "لقد سمعت وسائل الإعلام تدّعي أنّني أريد التهرّب من المُحاكمة، التهرب؟ يا له من هراء. لمدّة ثماني سنوات، كنت أنتظر هذا اليوم، أنتظر تقديم الحقيقة، أنتظر تفكيك الاتهامات السخيفة التي لا أساس لها ضدّي تماماً، أنتظر فضح أسلوب مطلقي الاتهامات بحقّي لمرّة واحدة وإلى الأبد". ويفترض أن يتابع نتنياهو تقديم إفادته أمام المحكمة الإسرائيلية بعد ظهر يوم الأربعاء، وسيكون الاستجواب المتبادل من قِبَل الادعاء حاسماً في تحديد نتيجة القضية.