بقلم: نديم علاوي

كانت بداية مواسم الزراعة المطرية في الأغوار مغلفة بأجواء إيجابية لدى محمود مساعيد من قرية الجفتلك (30 كيلومترًا) إلى الشمال من مدينة أريحا.

لكن مساعيد (26 عامًا) الذي يقطن في منطقة محاطة بمستعمرة "مسواه" في الجفتلك، ومزارعين آخرين في الأغوار، تتضاعف معاناتهم في حراثة أراضيهم، نتيجة حرث مستعمرين الأرض، والتضييق على الفلسطينيين في فلاحتها.

يقول مساعيد: "مع بداية الموسم العلفي، تبدأ المعاناة مع منع الاحتلال حراثة الأرض المكونة من عشرات الدونمات، التي اعتادوا زراعتها منذ 40 عامًا بمحصول القمح".

سنويًا، مع اقتراب موسم الزراعة في الأغوار، يبدأ المستعمرون بحراثة مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية في مناطق مختلفة، وزراعتها ومنع أصحابها من فلاحتها.

ويستدرك مساعيد: "كان المزارعون في الأغوار يحرثون أراضيهم منذ عشرات السنوات لتهيئة التربة للزراعة، لكنهم باتوا يتخوفون من مضايقات الاحتلال والمستعمرين واعتداءاتهما".

قبل أسابيع، منع الاحتلال مساعيد، من حراثة الأرض، بحجة أنه يعمل في "مناطق خاضعة للسيطرة الإسرائيلية".

ورغم تأخر الأمطار، إلا أن شهية المستعمرين مفتوحة لحراثة أراضي المواطنين.

ويرى محللون أن هدف المستعمرين هو الاستيلاء على مزيد من أراضي المواطنين.

وتابع: "كفلسطيني، لا أستطيع اليوم حتى حراثة مساحات صغيرة من أرض العائلة المقدرة بـ80 دونمًا".

ووفق رئيس المجلس القروي في الجفتلك، أحمد أبو غانم، فإن المستعمرين يواصلون منذ أسبوع حراثة أراضٍ في منطقة "المخروق" شمال الجفتلك، تقدر مساحتها بأكثر من 100 دونم.

ويقول غانم: أن "هذه الأراضي كان يزرعها الفلاحون الفلسطينيون سابقًا بالشعير والحبوب، ويعتمدون عليها في بقاء الثروة الحيوانية وتغذية المواشي"، موضحًا أن خطر الاستيلاء على الأراضي في الأغوار بالنسبة إلى المزارعين ومربي الثروة الحيوانية الذين يقطنون قرب هذه الأراضي، يتمثل في قطع الطريق عليهم ومنعهم من الوصول إلى الأراضي التي يعتمدون عليها في تربية مواشيهم ورعيها.

ويؤكد غانم: "المستعمرون اليوم يواصلون استيلاءهم على مئات الدونمات في الجفتلك، بما في ذلك الأراضي التي تقع في قلب الجفتلك وفي محيطها، كما يواصلون توسيع نطاق سيطرتهم من خلال حراثة الأراضي".

ويعزو المدير العام لزراعة أريحا والأغوار أشرف بركات، هذا النوع من الاستعمار إلى امتداد "الاستعمار الرعوي" وهدفه الاستيلاء على الأراضي الصالحة للرعي وزراعة الأعلاف ومنع الفلسطينيين من الاستفادة منها.

ويقول: "رغم قلة زراعات محاصيل القمح والشعير والبيكا التي تعتمد على الأمطار شمال أريحا والأغوار، فإنها عادة ما تُزرع في المناطق الغورية وشفا الغورية مثل الجفتلك، والزبيدات، ومرج نعجة، ومرج غزال، حيث تكمن عمليات منع المزارعين من الزراعة والرعي".

وتتطابق رؤية بركات وغانم في أن المستعمرين يحرثون الأرض خلال الموسم، لقطع الطريق على الرعاة الفلسطينيين والاستيلاء على أكبر قدر ممكن من الأراضي الصالحة للزراعة في القرى الشمالية من محافظة أريحا والأغوار.

ويقول غانم: إن "المزارعين والرعاة على مدار السنوات الماضية، خاصة منذ الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر العام الماضي، يواجهون آفة الاحتلال والمستعمرين من مناطق البحر الميت حتى محافظة الأغوار الشمالية، وأشكالاً مختلفة من منع المزارعين من التنقل والزراعة والرعي"، مؤكدًا أن الاحتلال والاستعمار يسعيان إلى منع وصول الفلاح الفلسطيني إلى مصادر عيشه، ويستوليان على معداته بما فيها الجرارات الزراعية.

وفي المقابل، تسعى وزارة الزراعة إلى دعم صمود المزارعين في المناطق المستهدفة، عبر توفير مئات الأطنان من البذور العلفية، كمحاولة لتخفيف الأضرار التي يتسبب فيها الاحتلال.

ووفق بركات، فإن 85-90% من الأراضي الزراعية في محافظة أريحا والأغوار، مناطق ممنوعة كليًا من الزراعة والرعي، ويعمل الاحتلال الإسرائيلي على الاستيلاء عكى المعدات الزراعية والمحارث عند عملها في معظم الأراضي مثل الجفتلك والمعرجات ونبع العوجا وغيرها، ومساحتها 1155 كم، وتشكل الأغلبية العظمى من منطقة الأغوار (بنسبة 88.3%)، وهي من المناطق المصنفة (ج) في الضفة الغربية.

ويشير مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة (بتسيلم) في تقرير له تحت عنوان: (مجريات السلب)، إلى أن "إسرائيل تمنع الفلسطينيين من استخدام نحو 85% من مساحة الأغوار وشمال البحر الميت، وتستغل هذه المساحة لاحتياجاتها هي. إنها تمنعهم من المكوث في تلك الأراضي والبناء فيها ورعي أغنامهم وفلاحة أراضيهم الزراعية".