بقلم: حاتم أبو دقة

جبال من النفايات تتراكم بصورة مرعبة على جوانب الطرق، وبين الخيام، في شتى أنحاء قطاع غزة، بسبب العدوان المتواصل منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، لا سيما المناطق الأكثر ازدحامًا في مواصي رفح، وخان يونس، جنوبًا، ما يشكل خطرًا حقيقيًا يهدد حياة النازحين.

فقد خلّفت النفايات أوضاعًا مدمرة في صحة المواطنين، إذ ارتفع عدد النازحين إلى الجنوب نحو مليون ونصف مواطن، وأصبح الوضع كارثيًا، خصوصاً مع تدمير البنية التحتية المختصة بإدارة النفايات الصلبة، وتراكُمها حول السكان، واختلاط مياه الصرف الصحي بمياه الشرب.

الشوارع تحولت إلى مشهد مأساوي؛ حيث تجد تلالاً من النفايات تتراكم في الطرقات إلى جانب البيوت والمباني المدمرة، وقد خلّفت هذه الأوضاع القاسية آثاراً مدمرة في صحة الناس وحياتهم.

آلاف الأطنان من النفايات تتراكم غرب جامعة الأقصى في خان يونس، كما وأغرقت مياه الصرف الصحي الشوارع، مع انتشار الحشرات والقوارض، متسببة في زيادة مخاطر الأمراض، والتهديدات الصحية؛ ما شكّل خطراً على صحة الجهاز التنفسي، وخصوصاً بين الأطفال وكبار السن.

يصف النازح من رفح المسن عبد الفتاح البلعاوي (70 عامًا)  الوضع في مواصي خان يونس "بالكارثي".

ويقول: تنبعث روائح كريهة نتيجة طفح مياه الصرف الصحي حول خيمته، ما تسبب في مكرهة صحية تهدد حياته، بسبب ضعف مناعته، وفي ظل انعدام توفر نظام غذائي صحي منذ بداية الحرب، فضلاً عن انتشار الأمراض، وتلوث المياه التي لم تعد أساسًا صالحة للشرب.

ولا تقل مأساة البلعاوي عن النازح وائل قديح (45 عامًا)، الذي يعاني هو الآخر من مكرهة صحية، وطفح المياه العادمة، وتكدس النفايات بشكل كبير، وتجمع الكلاب الضالة، التي تحد من تنقل الأطفال، وتسبب إزعاجًا وخوفًا خلال ساعات الليل، مشيرًا إلى انتشار واسع للأمراض بسبب المياه الملوثة، وتكاثر القوارض، التي تتنقل بشكل مرعب بين الخيام.

وإلى الشرق من قديح، تجلس النازحة رنا عصفور (38 عامًا) أمام خيمتها، وتضع كمامة على أنفها لعدم قدرتها على تحمل الروائح الكريهة التي تنتج عن مياه الصرف الصحي، والتي تسير في الشارع بشكل يومي.

أعربت عصفور عن تخوفها من استمرار هذا الحال، مع قدوم فصل الشتاء، واختلاط مياه الأمطار بالمياه العادمة، وعدم قدرتها على توفير لقمة عيشها، في ظل النقص الحاد في المواد الغذائية، وارتفاع أسعارها بشكل جنوني.

والمشهد يتكرر مع النازحين كافة على امتداد وجودهم في قطاع غزة، فتجد الكثيرين منهم خاصة الأطفال يسيرون حفاة، بسبب عدم توفر الأحذية، واهتراء أغلبها، نتيجة الحصار المفروض والحرب المتواصلة على قطاع غزة.    

يقف النازح أسامة العطار (52 عامًا) أمام خيمته، ويتملكه الخوف من تداعيات المكرهة الصحية التي تنبعث من المياه العادمة على صحة أسرته، لا سيما حياة طفله الذي يبلغ من العمر خمسة أشهر، ما جعلهم غير قادرين على تحمل البقاء في المكان، دون وجود خيارات أخرى.

وأشار إلى أن خيمته المهترئة لا تصلح لإيواء عائلة مكونة من 11 فردًا ضاقت بهم السبل، ليجدوا أنفسهم يعيشون في مكان محاط بالمياه العادمة.

من جهته، أكد نائب المدير العام للإدارة العامة لحماية البيئة في سلطة جودة البيئة، ورئيس جمعية أصدقاء البيئة الفلسطينية المهندس عاطف جابر، أن تراكم النفايات والمياه العادمة في الشوارع شكل أكبر خطر على صحة الإنسان والبيئة.

ونوه إلى أن استمرار الحرب يحول دون تمكن البلديات من نقل النفايات إلى المكبات الرئيسية، ما نتج عنه تفاقم المكرهة الصحية، وانتشار الأمراض، محذرًا من خطر المكبات العشوائية، كونها تلامس الإنسان والحيوانات الضالة، وتعمل على استنزاف الأراضي الزراعية.

ولفت جابر إلى أن الفرد يُنتج يومياً كيلو جرامًا من النفايات الصلبة، ما يعني أن قطاع غزة يُنتج إجمالي ألفي طن يومياً.

وأشار إلى أن اختلاط تلك النفايات بمخلفات المستشفيات، وتكدسها بين خيام النازحين، يُنذران بكارثة صحية، يتحمل مسؤوليتها الاحتلال الإسرائيلي، الذي يمنع نقلها إلى المكبات الرئيسية، علاوة على وجود ملايين الأطنان التي نتجت عن عمليات تدمير المنازل والمنشآت.

ويرتبط الماء الملوث وتردي منظومة الصرف الصحي بانتشار الأمراض، مثل: الكوليرا، والإسهال، والدوسنتاريا، والالتهاب الكبدي الوبائي، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، التي حذرت منذ أشهر من كارثة صحية وبيئية شاملة يواجهها سكان قطاع غزة.

ويأتي ذلك في ظل أزمة نقص حاد في المياه الصالحة للشرب يشهدها قطاع غزة، على إثر توقف أغلبية آبار المياه بسبب نفاد كميات الوقود، وما لحق بمحطات التحلية من دمار وأضرار جسيمة، في وقت تتصاعد فيه الأزمة، مع دخول فصل الشتاء.