كان من المفترض قبل أن نطرح السؤال: بماذا جاءنا الطوفان؟ أن نسأل: بماذا جاءتنا الحروب التي خاضتها حماس مع إسرائيل، منذ أن انقلبت على الشرعية الفلسطينية، الوطنية، والدستورية، والنضالية؟ وهي حروب أعطتها "حماس" من الأسماء الرنانة والحاسمة، لم تجد لها أي ترجمات على أرض الواقع، أسماء خرجت من كتب السلفية الماضوية، وخطب الحزب الشعبوية، ومنها مثلاً "معركة الفرقان" و"حجارة السجيل" و"العصف المأكول" وكانت مجرد أسماء ليس إلا، فما من فرقان تحقق، ولا حجارة سجيل تساقطت، وما أصاب الاحتلال أي عصف مأكول.

غزة قبل هذه الحروب كانت على موعد مع مستقبل الازدهار، والتطور الحضاري الخلاق، بعد أن أنشأت السلطة الوطنية فيها ميناء، ومطارًا، وأبراجًا نهضت فوق الرمال، ومعبرًا سياديًا كان منفذًا لرحلات الغزيين المنوعة، الترويحية، والسياحية، والتجارية، والدراسية، وغيرها، وبجواز سفر فلسطيني، كانت ترضاه تأشيرات الدخول العربية الشقيقة، والأجنبية الصديقة.

كم كانت غزة واعدة لأن تكون سنغافورة فلسطينية، مع الشرعية، وسياستها، وخططها التنموية، لكن حروبًا ستًا، دمرت هذا الوعد، والسابعة "الطوفان" أتت عليه. حروب شنتها إسرائيل بكل تأكيد، لكنها كانت بالذرائع التي وفرتها حركة "حماس" بخطاباتها النارية، واستعراضاتها الصاروخية العبثية، التي لم تحقق ولا مرة، وما زالت لا تحقق، ولن يكون بمقدروها أن تحقق، أي ردع للاحتلال، وحروبه، ولا بأي حال من الأحوال، ولا بأي شكل من الاشكال.

ست حروب خلفت أكثر من أربعة آلاف شهيدة، وشهيد، وأكثر من ثلاثة. عشرين ألف جريح، والسابعة بأكثر من مئة وخمسين ألف شهيد وجريح ودمارًا بركام مهول، قد بات اليوم مع "الطوفان" بحاجة إلى خمس سنوات، لرفعه عن جسد القطاع المثخن بالجراح، والمقابر الجماعية.

الواقع خطاب بليغ، بنص لا يحتوي أي كلمة وإنما بجثامين الضحايا، ونواح الثكالى وأنين الجرحى، ومكابدات الجوعى، والعطاشى. خطاب بليغ بنص الركام الذي لا يمكن لخرائط القتال الافتراضية، على شاشة فضائية الخديعة، أن تلغيه أو أن تغطيه، حتى مع ثرثرة المحلل العسكري المتخم بالعطايا.

الواقع خطاب بليغ بنص الحقائق التي تغيب عن تلك الشاشة، هذه التي بات محررو الأخبار فيها مخمورين مهنيًا إلى حد الفضيحة والغباء معًا، وهم يبررون للكنيست الإسرائيلي تصديقه على مشروع قانون يحظر رفع العلم الفلسطيني على مؤسسات فلسطينية داخل إسرائيل، بالقول إن هذا المشروع يحظر رفع "أعلام السلطة الفلسطينية" لا علم فلسطين، وهكذا حاول هؤلاء المخمورون تكحيلها فأصابوا عينها بالعمى، فلا أعلام للسلطة الوطنية الفلسطينية، غير علم فلسطين.

يبقى أن نقول: إن المكلومين من أبناء شعبنا، خاصة في قطاع غزة، هم الذين يجرون اليوم المقارنات بين ما كانوا عليه قبل الحروب السبع، وما باتوا عليه بعد هذه الحروب، خاصة هذه الأخيرة التي لا تزال نيرانها مشتعلة، ولا سبيل للتعتيم على هذه المقارنات بعد اليوم، وستكون قريبًا هي القاعدة التي ينبغي أن تجري على أساسها المراجعة والمساءلة، والمحاسبة لمن جعل هذه الكارثة ممكنة، ولأن دم الضحايا لن يقبل أي مساومة للتغاضي عن كل ذلك.