تتواتر الأخبار المتناقلة عن العديد من وسائل الإعلام، ومن الرد ورد الرد بين بنيامين نتنياهو ومكتبه، وبين أركان المؤسسة الأمنية بشأن الوثائق المسربة من مكتب الأول. لا سيما وأن أجهزة الأمن اعتقلت خمسة أشخاص منهم مستشار وضابط كبير من ديوانه بتهمة سرقة معلومات وتسريبها لوسائل إعلام أجنبية، وتغيير برتوكولات حول الحرب على قطاع غزة، والانذارات المبكرة قبل حرب القيامة والإبادة الجماعية، وقضية ابتزاز ضابط رفيع من قبل فريق مكتب رئيس الوزراء بفيديو مخجل وقع بين أيديهم، مقابل الحصول على معلومات سرية جديدة، بالإضافة لقضية تتعلق بشريط فيديو لوزير الدفاع السابق، يوآف غالانت، يوثق منعه من دخول ديوان نتنياهو على يد حراس مكتبه بعد انفجار الحرب بأيام، للتأثير على أي تحقيق رسمي بشأن إخفاقات السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، ولتضليل الرأي العام بشأن صفقة تبادل الأسرى. وبالتالي لم ينحصر الأمر بقضية تسريب الوثائق، وإنما بالقضايا الأخرى ضد رئيس الائتلاف الحاكم في إسرائيل.
وعلى إثر ذلك، أوردت صحيفة "معاريف" أن المستشارة القضائية صدقت على فتح تحقيق مع نتنياهو على خلفية تسريب الوثائق من ديوانه. وبعد هذا التصديق يمكن للمستشارين فتح تحقيق ضد نتنياهو شخصيًا في قضيتي شبهات تسريب الوثائق السرية، والثانية بشبهات محاولات تغيير برتوكولات منذ بدء الحرب، وحسب الصحيفة، فإن المستشارة القضائية والشاباك والشرطة رفضوا الإعلان عن الامر بشكل رسمي.

وأمام هذا الضجيج والإثارة للقضايا المختلفة على الرجل القوي وديوانه، هاجم مكتب رئيس الوزراء أمس الثلاثاء 12 تشرين ثاني/نوفمبر الحالي أجهزة الأمن الإسرائيلية، على خلفية التحقيقات ضد مسؤولين في مكتب رئيس الائتلاف الحاكم بشأن تسريب الوثائق وغيرها من الفضائح المذكورة، وهو ما يشي بتعمق الأزمة بين نتنياهو وأركان مكتبه وبين قادة الأجهزة الأمنية، وبدت طافية على السطح، ولم تعد مخفية، والتي يسعى رئيس الحكومة لاستغلال هذه القضية ليسرع من خطواته باتجاه إقالة قادة الأجهزة الأمنية، من خلال شن هجوم مضاد عليهم، في محاولة منه لاستقطاب الشارع الإسرائيلي إلى جانبه، والإحياء للجمهور والنخب المختلفة أنه ضحية استئساد القادة الأمنيين عليه، واعتباره ما نشر وسُرب من قضايا الفساد، واعتقال خمسة من موظفي مكتبه، وفتح تحقيق ضده في عدد من القضايا المثارة، إنما يعكس سعي الأجهزة الأمنية لتقويض أركان ائتلافه الحاكم وخاصة شخصه نفسه.

ومن الواضح أن احتدام التناقض بين المؤسسة الأمنية ورئيس الحكومة، جاء بعدما تخلص من غالانت وزير الحرب في يوم إعلان نتائج الانتخابات الأميركية الأسبوع الفائت وفوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب. لتحقيق أكثر من هدف، أولاً إزالة أية معارضة في مؤسسات الدولة ضده، وضد ائتلافه؛ ثانيًا تعميق سيطرته الكاملة على مفاصل الدولة العميقة بكل مكوناتها، ليخلو له الجو لتسريع تحقيق أهدافه الشخصية والأيديولوجية بضم الضفة الفلسطينية والتوسع في دول المحيط العربي وفقًا للخارطة التي عرضها في أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الأخيرة ال78؛ ثالثًا استغلال تسريب الوثائق السرية وسلسلة تهم الفساد المتعلقة بمكتبه ليعكس المسؤولية على قادة الأجهزة الأمنية، ويبعدها عن شخصه، ومعاونيه في ديوان رئيس الوزراء؛ رابعًا لتحقيق السيطرة الكاملة على المؤسسة الأمنية، قام بتشكيل مكتب استخبارات خاص به وبمكتبه، يركن إليه، ويحصر بيده المعلومات الأمنية، لفرض ديكتاتوريته النازية، ولسحب البساط من تحت أقدام الأجهزة الأمنية، وتهميش دورها؛ خامسًا لإبعاد أية مسؤولية عنه فيما يتعلق بما جرى قبل وأثناء السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، وتحميل المسؤولية كاملة للأجهزة الأمنية وقيادة الجيش؛ سادسًا من خلال فرض نفوذه المطلق على المؤسسات الأمنية بما فيها الجيش، يكون أطبق على مقاليد الدولة، مع انجاز الانقلاب القضائي الذي مهد له قبل الإبادة الجماعية على الشعب العربي الفلسطيني، الأمر الذي سيمنحه الفرصة على إسقاط التهم كافة المرفوعة ضده. 

إذًا عملية تسريب الوثائق وغيرها من التهم، ليست لعبة، وإنما خطة محبوكة جيدًا لطمس وتبهيت دور القوى المعارضة له سياسيًا وأمنيًا وقانونيًا، وهذا المخطط، لم يأتِ وليد الصدفة، أو ردة فعل آنية، إنما وفق دراسة وإعداد مسبق، ومع ذلك أعتقد أن نتنياهو لن يربح المعركة ضد قادة الأجهزة الأمنية، بل العكس صحيح. لكن الأهم والأبعد من ذلك، هو ما تحمله هذه التناقضات من أخطار داخل الشارع الإسرائيلي، وقد تفتح الأفق أمام اغتيالات، أو إطلاق شرارة نيران الحرب الأهلية، إن لم يتم ضبط إيقاع التناقضات القائمة بينه وبين قادة الأجهزة الأمنية.