من نافل القول، إن مساحة التفاؤل ضيقة جدًا، وإن لم تكن معدومة في مباحثات الدوحة الأخيرة التي بدأت أول أمس الأحد 27 تشرين الأول/أكتوبر الحالي وجمعت الأطراف الثلاثة: رئيس CIA وليمبارينز، ورئيس الموساد ديفيد برنياع ورئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن بعد غياب مدير المخابرات المصرية حسن محمود رشاد. حيث عاد أمس الاثنين المسؤول الإسرائيلي لتل أبيب للتباحث مع رئيس الوزراء في مشاريع الاقتراحات المتداولة، منها مقترح الرئيس السيسي المتضمن هدنة لمدة يومين مقابل الإفراج عن أربع رهائن إسرائيليين مقابل الإفراج عن عدد من الأسرى الفلسطينيين، تتبعها عشرة أيام للتفاوض حول باقي الملفات المتعلقة بوقف الحرب، وإدخال المساعدات الإنسانية بكافة مشتقاتها، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة بما في ذلك محوري فيلادلفيا ونتساريم ومعبر رفح، وتولي السلطة الفلسطينية مسؤولياتها على القطاع، وإعادة الاعمار، والمؤتمر الدولي للسلام.

بالإضافة لمقترح قطري للربط بين الملفين الفلسطيني واللبناني، وارتباطًا بذلك توجه موفد قطري للبنان والتقى بالمسؤولين اللبنانيين للاطلاع على موقفهم من وقف إطلاق النار بالتزامن مع وقف إطلاق النار على القطاع، بهدف نزع فتيل التصعيد على الجبهة الشمالية، وهو ما يتضمن عمليًا بشكل غير مباشر الملف الإيراني الإسرائيلي لوقف الرد والرد المتبادل بينهما.

وحسب اسوشيتد برس أمس الإثنين 28 تشرين الاول/ أكتوبر الحالي نقلاً عن مسؤول إسرائيلي: أبلغ نتنياهو نواب حزبه في الكنيست، أنه سيعمل بالمقترح المصري على الفور. كما سيناقش رئيس الائتلاف الحاكم مع رئيس الموساد الذي عاد أمس لتل أبيب المقترح الجديد، الذي يجمع المقترحات المثارة في اجتماعات الدوحة، حسب صحيفة "يسرائيل هيوم" الإسرائيلية. لكن سبق ذلك، تأكيد مصدر إسرائيلي، أن نتنياهو كان إلى جانب سموتريتش وبن غفير اللذان رفضا الاقتراح المصري في اجتماع الكابينيت الإسرائيلي، وهو ما يعكس التلون في مواقف زعيم الليكود والحكومة، حيث يقول الشيء ونقيضه، وهذا هو ملعبه في عملية التدويخ التي ينتهجها لإدامة الإبادة الجماعية.

في ذات الوقت أعلنت قناة "كان" العبرية نقلاً عن مصادر في الدوحة أمس الإثنين، أن حركة حماس طرحت اقتراحها القديم الجديد، وهو صفقة "الكل مقابل الكل". الذي يتضمن "الإفراج عن جميع الرهائن مقابل وقف الحرب والانسحاب الكامل والفوري من قطاع غزة". ووفق مصدر فلسطيني في قطر "بعد اغتيال يحيى السنوار لم يعد لدينا ما نخسره، ومتمسكون بشروطنا". وأضاف المصدر: "بعد انتهاء المناقشات في الدوحة، ستُجرى مشاورات مع المجلس العسكري في غزة، ومن ثم ستقرر حماس الاتجاه الذي ستتخذه". وأشار إلى أن "هذه المسألة لن تكون سريعة، حيث ستستغرق بضعة أيام بسبب صعوبة التواصل مع غزة". ولا يمكن افتراض ما يمكن أن تحمله الأيام القادمة. لا سيما وأن قادة حماس فتحوا القوس أمام إمكانية التراجع عن مقترحهم المذكور آنفًا.

وارتباطًا بذلك، شكك مسؤولون إسرائيليون في إمكانية تحقيق اختراق بمفاوضات وقف إطلاق النار في غزة قبل الانتخابات الأميركية المقبلة المقررة في 5 تشرين الثاني/نوفمبر القادم بعد أسبوع من الآن، وفق موقع "يديعوت احرونوت" العبرية. إضافةً لذلك، أكد الموقع، أن المسؤولين الإسرائيليين ما زالوا غير مقتنعين بجدوى الاقتراح المصري، وفقًا لمصادر مطلعة على حوارات الدوحة. وقال أحد المسؤولين "نحن نتفاوض مع أنفسنا، أو في أفضل الأحوال مع وسطاء، ولم يحدث في أي وقت أي مفاوضات حقيقية مع حماس، لقد حددوا مطلبًا، ولم يتراجعوا عنه، يريدون إنهاء القتال بشكل كامل وانسحاب إسرائيلي كامل من غزة، وهذا لن يحدث". وحسب الموقع، هناك اعتقاد إسرائيلي واسع بالتشكيك بإمكانية إحداث اختراق في المفاوضات.

وعلى الصعيد اللبناني، هناك تضارب في الأنباء حول موافقة نبيه بري، رئيس البرلمان اللبناني، والمفاوض الأساسي على استعداد حزب الله بالفصل بين الملفين الفلسطيني واللبناني، والقبول بتطبيق القرار الدولي 1701 دون تعديل الموفد الأميركي الإسرائيلي هوكشتاين ضمن حزمة واحدة. إلا أن مكتب بري قال: إن التقارير الإعلامية الأخيرة غير دقيقة.

ونقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مصدر إسرائيلي قوله: إن "برنياع لا يعتقد أن إسرائيل يجب أن توافق على وقف إطلاق النار في لبنان ما لم يضغط حزب الله وإيران على حماس لإطلاق سراح الرهائن في غزة". وفي السياق، اعتبر وزير الجيش الإسرائيلي يوآف غالانت الأحد الماضي أنه "لا يمكن تحقيق الأهداف جميعها من خلال العمليات العسكرية وحدها. للقيام بواجبنا الأخلاقي بإعادة رهائننا إلى منازلهم، يتعين علينا تقديم تنازلات مؤلمة". وهو ما يكشف عن عودة الخلاف بين رئيس الحكومة ووزير حربه حول ملف إنهاء الحرب، والآليات الواجب انتهاجها وصولاً لذلك.

إذًا من خلال قراءة اللوحة الماثلة أمامنا، لا يمكن الافتراض بإمكانية إحداث اختراق جدي لا في إنجاز هدن مؤقتة، ولا في تبادل الرهائن والأسرى، ولا في وقف الحرب الدائرة لليوم 389 من الإبادة الجماعية في فلسطين ولبنان، وبالتالي كانت مفاوضات الدوحة بلا طحن، ولم تتجاوز حدود كونها مجرد مفاوضات من أجل المفاوضات، ولإيهام الشعبين الفلسطيني واللبناني بأمل وقف الحرب الإسرائيلية، بيد أن المشهد لا يبشر بحمل جديد مقبول بالحد الأدنى. وحتى العودة للمفاوضات المرتقبة في القاهرة خلال الأيام القادمة من المبكر الرهان على إحداثها اختراقًا، خاصة وأن أيامًا محدودة تفصلنا عن الانتخابات الرئاسية الأميركية.