بقلم: بسام أبو الرب

كانت عقارب الساعة تشير إلى العاشرة والنصف صباحًا، كل شيء كان يجري بهدوء، مزارعون يعتلون أشجار الزيتون ويقطفون ثمارها، وآخرون يجمعون المحصول ويجهزون محيط الأشجار وينظفونها من الأشواك والأعشاب، فقط يمكن سماع أصوات حبات الزيتون تتساقط على المفارش.

هكذا كان المشهد في إحدى الأراضي المزروعة بالزيتون قرب مدخل الموقع الأثري في بلدة سبسطية شمال غرب نابلس، قبل هجوم المستعمرين المتوقع على المنطقة.

موسم الزيتون في الضفة الغربية يشهد هذا العام، اعتداءات يومية من المستعمرين وقوات الاحتلال الإسرائيلي، على المزارعين وصلت إلى حد القتل، وحرق أشجار الزيتون وتقطيعها وسرقة المحصول، ومنع المواطنين من الوصول إلى أراضيهم لجني محصولهم من ثمار الزيتون.

قبل أربعة عشر عامًا، وتحت واحدة من أشجار الزيتون في هذه المنطقة، استُشهد المواطن يوسف غزال برصاصة مستعمر أصابت رأسه، فيما نجا نجله جواد بأعجوبة في الهجوم ذاته.

اليوم، يقف جواد (70 عامًا)، مرة أخرى، في أرضه المحاذية للطريق الواصل بين مدينتي جنين ونابلس لقطف ثمار الزيتون، في حالة ترقب، خشية تكرار ما حدث مع والده.

يقول جواد: "السادس عشر من تشرين الأول/أكتوبر 2005، يوم لن أنساه أبدًا، قُتِل والدي هنا، بعد أن هاجمنا جيش الاحتلال وعدد من المستعمرين، حينها كنت أقف فوق إحدى الأشجار، فأطلقوا علينا النار فأصابت رصاصة قدمه، وأخرى استقرت في رأس والدي، استُشهد على إثرها".

تتعرض بلدة سبسطية، لاعتداءات متكررة من الاحتلال ومستعمريه، بهدف السيطرة على المواقع الأثرية فيها، وكان آخرها حرمان المزارعين من الوصول إلى أراضيهم لمدة يومين.

بين الحين والآخر، يتوقف المواطن غزال قليلاً عن قطف ثمار الزيتون، ويراقب الطريق من تحت أرضه، تحسبًا من تسلل مستعمرين إلى المنطقة؛ خشية على حياته وعلى من يعملون معه.

يقول غزال وهو يجمع حبات الزيتون التي تناثرت بعيدًا عن المفارش: "أصبحنا نقطف الزيتون، وكأننا نسرقه سرقة، علنا نستطيع جمع أكبر كمية ممكنة، ففي أي لحظة نتوقع هجوما من المستعمرين".

ويضيف: "أعلم أنني سأُقتل هنا يومًا ما، برصاص الاحتلال أو مستعمريه، فهم لا يتركوننا وشأننا، ورغم ذلك لن أترك أرضي حتى لو دفعت حياتي ثمنًا لذلك، كما فعل والدي".

يحرم الاحتلال المواطنين من الوصول إلى أراضيهم الخاصة القريبة من المستعمرات أو جدار الفصل والتوسع العنصري في الضفة الغربية، في الوقت الذي يسمح للمستعمرين باستغلال هذه الأراضي والسيطرة عليها، سواء لإقامة المزيد من المستعمرات أو الشوارع الاستعمارية.

يقول مدير مكتب هيئة مقاومة الجدار والاستيطان في شمال الضفة مراد اشتيوي: إن "هناك تصاعدًا كبيرًا في اعتداءات المستعمرين على قاطفي ثمار الزيتون هذا العام، مستغلين حرب الإبادة الجماعية التي تشنها قوات الاحتلال على قطاع غزة"، مشيرًا
إلى أن هذه الاعتداءات تركزت في الريف الجنوبي لمحافظة نابلس، وعلى وجه التحديد في بورين وقصرة، اللتين سجلتا أعلى حصيلة في الاعتداءات.

ومنذ بدء موسم قطف ثمار الزيتون وحتى مساء الأحد الماضي، وثقت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان ما مجموعه 91 اعتداءً على قاطفي الزيتون في الضفة الغربية، 60 منها تناوبت على تنفيذها قوات الاحتلال والمستعمرون، و31 اعتداءً نفذها مستعمرون، أسفرت عن استشهاد مواطنة في محافظة جنين، وإصابة 36 آخرين، إضافة إلى تقطيع وحرق مئات أشجار الزيتون.

وفي مواجهة هذه الاعتداءات، يقول اشتيوي: أطلقنا الحملة الوطنية لقطف ثمار الزيتون، بالتعاون مع وزارة الزراعة وعدد من الشركاء والمتضامين الأجانب، لمساعدة المزارعين على جني محصولهم خاصة في المناطق التي تتعرض لاعتداءات الاحتلال وانتهاكاته.

وفي تقرير سابق، توقعت وزارة الزراعة عدم تمكن المزارعين من الوصول إلى 80 ألف دونم من المساحة المزروعة بالزيتون، جراء تصاعد إجراءات الاحتلال وهجمات المستعمرين، ما قد يترتب عليه فقدان نحو 15% من الإنتاج، الذي قُدر هذا الموسم بنحو 20 ألف طن زيت.

في كل عام، يتعرض المزارعون لهجمات منظمة من الاحتلال ومستعمريه، ففي الثامن والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، استُشهد المواطن بلال محمد صالح "40 عاماً"، برصاصة مستعمر في بلدة الساوية جنوب نابلس، وفي الشهر ذاته عام 1998، ارتكب مستعمرون جريمة لا يمكن نسيان تفاصيلها، في بلدة بيت فوريك شرق نابلس، حين أقدم مستعمر من "إيتمار" على دق رأس المواطن محمد زلموط خطاطبة "72 عاماً" بحجر كبير وطحنه، ليرتقي شهيداً أثناء قطفه ثمار الزيتون.

لم يتوقف المستعمرون عند حادثة قتل المواطن خطاطبة، فكرروا الجريمة مرة أخرى في السابع عشر من تشرين الأول عام 2000، عندما أطلقوا النار على فريد نصاصرة (28 عامًا)، من بلدة بيت فوريك خلال قطفه ثمار الزيتون في أرضه، ليرتقي شهيدًا.

وحذر خبراء أمميون قبل أسبوع، من أن المزارعين في الضفة الغربية المحتلة يواجهون هذا العام أخطر موسم زيتون على الإطلاق، وأنهم يتعرضون للترهيب وتقييد الوصول إلى الأراضي والمضايقات الشديدة والهجمات من المستعمرين المسلحين، معتبرين أن تقييد موسم قطاف الزيتون وتدمير البساتين ومنع الوصول إلى مصادر المياه، هي محاولات من جانب إسرائيل لتوسيع مستعمراتها غير القانونية.