بقلم: عبد الباسط خلف
تصمد يافطة تعريفية بنية خُّطَ عليها بالأبيض "تل جنين"، وهي الإشارة الوحيدة التي تذكر المارة بمكان تاريخي مجهول حتى لأصحاب متاجر قريبة منه وسائقي مركبات يتوقفون أمامه منذ سنوات طويلة.
وتكافح عدة بيوت قديمة مقامة على أطراف التل السقوط، بينما تظهر من نوافذها المدمرة المراكز التجارية الحديثة، لكن الجهة الغربية له صارت موقفًا للسيارات، فيما تنافست عدة متاجر ومقاهي على احتلال جهته الشرقية.
من موقعه، أكد مدير وزارة السياحة والآثار في جنين، إياد ذوقان، أن جامعة بيرزيت أجرت تنقيبات أثرية في المكان، واكتشفت بقايا أثرية تعود إلى العصر الحجري الفخاري والحجري النحاسي والعصر البرونزي المبكر، كما تم العثور على أبنية سكنية وأدوات زراعية وجدار استنادي في الطرف الغربي من التل لمنع الفيضانات ولحمايته.
وبين أن عام 1929 شهد قيام ضابط بريطاني بأعمال تنقيب عشوائية في المنطقة، لكن في عام 1959، وخلال فترة الحكم الأردني حصل تجريف في الموقع لإنشاء مجمع للحافلات، كما منحت الحكومة الأردنية قطعة أرض لإنشاء كنيسة دير اللاتين.
- تعديات قديمة
وعاد ذوقان إلى بداية الثمانينيات، وهي الحقبة التي شهدت منح دوائر الاحتلال تراخيص لإقامة بنايات في التل الأثري، وهي ما أسس للتعديات التي حدثت لاحقًا.
وقال: إن الوزارة تسعى إلى عدم توسيع رقعة التعديات في التل، لكنه أشار إلى أن الإهمال في المكان التاريخي سببه "أزمة ثقافة"، وتقديم المصالح الشخصية على الاعتبارات التراثية والأهمية الأثرية للتل يمثل الحقب التاريخية الأولى في الاستقرار البشري ذات الصلة بتاريخ جنين العام.
وأضاف: بأن التعديات على المكان لا يمكن إنكارها، وهي ظاهرة للعيان تسعى الوزارة إلى وقفها بالشراكة مع بلدية جنين وشرطة السياحة والآثار، غير أنها قديمة وتحتاج وقتًا للحل، ولن نجد أية جهة ستتبنى الاعتداء، بل ستنقل المسؤولية لجهات أخرى، لافتًا إلى أن الحفاظ على التل، وغيره من أماكن جنين الأثرية ليست فردية منوطة بوزارة السياحة والآثار، باعتبارها صاحبة الولاية القانونية والإدارية على مواقع التراث الثقافي، بل جماعية، تحتاج إلى تكاتف الجهود لحماية كافة المواقع الأثرية.
وذكر ذوقان، الذي تولى موقعه قبل ثلاثة أشهر، أن الظروف الصعبة في جنين، وعدم استقرار مجلسها البلدي، يشكلان عائقًا لاتخاذ قرارات وإجراءات لحماية المواقع الأثرية.
- مبادرة "جذورنا"
وتطرق إلى المشروع الضخم الذي أطلقته الوزارة، الإثنين الماضي، لترميم السوق القديم في المدينة (السيباط)، لشعور الوزارة بأن جنين تحتاج إلى المزيد من الاهتمام.
وكان محافظ جنين كمال أبو الرب ووزير السياحة والآثار هاني الحايك، أعلنا عن مبادرة "جذورنا" من مقر متحف بيت زمان بالبلدة القديمة، بتمويل من مؤسسة التعاون وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
وقال أبو الرب: إن "إطلاق المبادرة من البلدة القديمة يعزز تاريخنا وجذورنا على هذه الأرض، وصد كل محاولات الاحتلال الهادفة لطمس هويتنا الوطنية وإرثنا وثقافتنا".
فيما أشار الوزير الحايك إلى أهمية إعادة ترميم البلدات القديمة والمحافظة عليها لتكون حية وحاضرة للأجيال القادمة، ولحماية الموروث الفلسطيني، مبينًا أن الوزارة تعمل مع مؤسسات المجتمع المحلي والشركاء لرفع الوعي بأهمية تاريخنا وإرثنا الحضاري، والحفاظ على وجودنا، خاصةً أن جنين محافظة منكوبة وتحتاج إلى إسنادها ومعالجة آثار العدوان الإسرائيلي عليها.
وأكد الحايك، أن الوزارة ستعمل مع الشركاء والمانحين لإنشاء متحف تراثي في محافظة جنين، وستنفذ خطة لإبراز المواقع التاريخية، وإعداد سجل وطني عن الإرث المادي لحماية التراث الفلسطيني.
بدوره، قال منسق لجنة تنشيط وتطوير السياحة في محافظة جنين، ربيع ياسين: إن "اللجنة عممت معطيات تاريخية ترويجية حول التل، ووضعت لوحات توجيهية وتفسيرية في محيطه"، مشيرًا إلى "الرزم السياحية" الخاصة بالمدينة المقدمة للسياح الأجانب، والتي تشمل التل كموقع أثري، لكن من الناحية العملية هناك صعوبة في إدخال سياح إلى قلب الموقع.
- حمام زاجل
وتبعًا للمؤرخ الراحل، مخلص محجوب الحاج حسن، فإن التل مرتفع ترابي غربي البلدة القديمة، يعرف باسمه لارتفاعه عما حوله من أرض منسبطة، ويرتفع 135 مترًا عن سطح البحر، ومساحته نحو 20 دونمًا. وأفادت مصلحة الآثار والبلدية بالخمسينيات بوجود نوع من الفسيفساء صغيرة الحجارة، منتظمة مكعبة.
فيما أظهرت التنقيبات الأثرية، كما أورد الحاج حسن، التي تبناها رئيس قسم الآثار المنتدب لدى جامعة بيرزيت، ألبرت جلوك، عام 1980 بأن جنين القديمة كان يلتف حولها سور حجري يمتد من الجنوب الغربي محاطًا بالتل حتى الشمال الشرقي.
وأضاف: بأن "أعمال تجريف التل انطلقت باعتباره ساحة المدينة العامة آلت للبلدية في معظمها، بينما استغل ترابه على مستوى فردي، وعلى نطاق المتعهدين للتعمير وفي المخيم أوائل الخمسينيات، وأدى انهيار جرف كبير منه عام 1951 إلى وفاة العاملين: عبد الرحمن علي الهصيص، ومحمد صادق جاسر، وكان يجري خلط ترابه بالشيد لأعمال البناء".
واستنادًا للمؤرخ الراحل، فإن التل استخدم في زمن الأيوبيين والمماليك برجًا ومحطة للمراسلة بالبريد الطائر، عبر الحمام الزاجل، وكان يتواجد فيه الخفراء أو الأبراجون (حراس البرج).
وفي الجهة المقابلة، قال السائق أحمد الشيخ إبراهيم: إنه "يقف أمام التل منذ 30 عامًا، لكنه لم يصعد إليه، ولا يعرف معلومات عنه، لكنه شاهد قبل سنوات حفريات وسط الكراج الرئيس".
وذكر البائع المتجول، يوسف عبد الله، أنه يعرف فقط أن التل كان محطة للبريد بواسطة الحمام الزاجل، ولم يسبق له زيارته.
بينما أشار عبد الكريم نزال، وهو صاحب مطعم مقابل للتل، إلى عدم معرفته بالمنطقة التي تقابل مكان عمله، ولم يحاول البحث عن معطيات حولها.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها