"قبل السابع من أكتوبر لم يكن لدينا الشرعية المحلية ولا الدولية لإعادة احتلال قطاع غزة، فالوضع اختلف الآن". وبهذا الكلام غير المفاجئ لنا، يكون بنيامين نتنياهو رئيس حكومة منظومة الاحتلال الاستعماري العنصرية، قد أعلن الهدف الحقيقي لحملة الإبادة الدموية التدميرية على الشعب الفلسطيني وذروتها في قطاع غزة، أما الأخطر القادم على الإنسانية فهو نجاح منظومة الصهيونية الدينية "إسرائيل" بنسف ثوابت الشرعية الدولية الأخلاقية والسياسية والقانونية، وإنشاء شرعية جديدة لثلاثي جرائم الحرب: الاحتلال والاستيطان والعنصرية على أنقاضها. فحماس وساسة وجنرالات طهران منحوه ذريعة، أخرجها بصيغة "شرعية محلية ودولية"، وكأن "ثعلب إسرائيل" يجيب على أسئلة الجمهور الإسرائيلي، وأحزاب المعارضة عنده، وكذلك على الادارة الأميركية فيما يخص "اليوم التالي".

ما زال نتنياهو ومعه ساسة وجنرالات منظومة الاحتلال "إسرائيل" يعملون لاصطناع ذريعة أخرى، تمكنهم من إعادة احتلال ما تبقى من الضفة الغربية، والسيطرة المباشرة على المراكز العصبية لمدنها وبلداتها وقراها كافة، وإلغاء التقسيمات "أ.ب.ج" التي نصت عليها الاتفاقات مع منظمة التحرير الفلسطينية، ووسيلتهم لذلك تضخيم النفوذ الإيراني في مخيمات الضفة الغربية، وترويج إشاعة عن تهريب أسلحة ومتفجرات وعبوات ووسائل قتالية إيرانية، ويسندون حجتهم على تصريحات قادة الحرس الثوري وساسة إيرانيين، وادعاءات متكررة حول دعم عسكري لجماعات فلسطينية مسلحة منخرطة فيما يسمى "محور المقاومة".

لا تثير المواقف الأوروبية والأميركية حول "حل الدولتين" مخاوف منظومة الاحتلال والاستعمار "إسرائيل" فالمراقب لمداخلات هذه  الدول الأعضاء في مجلس الأمن، وكذلك الصادرة في البيانات والتصريحات اليومية، وأثر اللقاءات كمثال، يلاحظ  تغييبًا مقصودًا لإرادة الشرعية الدولية في فرض الحل السياسي، وإحلال عبارات التعاطف الانساني وطرح بعض المشاريع المندرجة في هذا السياق فقط، كالحاجة لتأمين الدواء والغذاء للمواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة، وتختتم بتعبيرات انفعالية مستحدثة في قاموس المصطلحات السياسية مثل "القلق" و"التخوف" وغيرها.

ونعتقد في هذا السياق أن منظومة الاحتلال تستخلص ذات النتيجة التي حصلت عليها في قطاع غزة، وملخصها "قتل وتدمير تحت عنوان استهداف حماس والإرهاب بعمليات مركزة بما لا يثير الرأي العام" وهذا ما حدث ويحدث حتى الآن في مدن ومخيمات جنين وطولكرم ونابلس خصوصًا، وفي مدن ومخيمات أخرى في الضفة الغربية عمومًا، الانتخابات في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، وحرب أوكرانيا وروسيا على رأس قائمة الاهتمامات والأولويات لدى الساسة والجماهير هناك، ناهيك عن أشغال دول أوروبية بعينها بعمليات إرهابية فردية، بقصد إضعاف التعاطف والتضامن الشعبي مع الحق الفلسطيني. لكن الأفظع بالنسبة لنا هو تجزئة القضية الفلسطينية والتعامل معها وفق توزيعات جغرافية، فتؤخذ قضية قطاع غزة منفصلة عن القدس ومقدساتها، وعن الاحتلال والاستيطان وإرهاب المستعمرين وعمليات جيش الاحتلال في الضفة الغربية، وهذه التجزئة ستؤدي إلى إفراغ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بحل الدولتين من مضمونها، عبر إشغال العالم بمفاوضات حول صفقة لإيقاف إطلاق النار وتبادل، ومفاوضات حول انسحاب أو إعادة انتشار في قطاع غزة، ومصير محور فيلادلفيا، وحول الوضع في جنوب لبنان، وفي هذه الأثناء يتم استكمال عملية تهويد القدس ومقدساتها، ومنع أي تواصل جغرافي بين مدن الضفة الغربية بإنشاء مشروع "A1" الاستعماري، أي تدمير مقومات دولة فلسطينية متواصلة جغرافيا في الضفة وغزة وعاصمتها القدس الشرقية.