لم يعد بالإمكان تجاهل هذا السؤال: هل كان "طوفان الأقصى" هو ما أراده رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو ليعيد احتلال قطاع غزة؟ مبعث هذا السؤال ما أعلنه "نتنياهو" في مؤتمره الصحفي الأسبوع الماضي حين قال: "قبل السابع من أكتوبر - أي قبل "طوفان الأقصى" - لم تكن لدينا الشرعية المحلية، ولا الدولية، لإعادة احتلال قطاع غزة، والوضع اختلف الآن". ومع أنه ما من شرعية ممكنة لأي عمل حربي عدواني، إلا أن "نتنياهو" أمسك "بالطوفان" كذريعة، ليشكل له هذه الشرعية المزعومة، ليشعل حرب الإبادة ضد القضية الفلسطينية ومشروعها التحرري، بداية من إعادة احتلال قطاع غزة،  تدميرًا للترابط الجغرافي لدولة فلسطين، وهذا ما جعل "نتنياهو" يقول: "إن الوضع اختلف الآن" واختلف بالمعنى الذي يريده، بأن الوضع  أصبح أكثر يسرًا له، لمواصلة حرب الإبادة ضد القضية الفلسطينية، وهذا ما فسر، ويفسر التصعيد الدموي العنيف، الذي واصله جيش الاحتلال الإسرائيلي مع المستوطنين، ضد مدن ومخيمات وقرى وبلدات محافظات الشمال الفلسطيني خلال الأسبوعين الماضيين، والذي لا يبدو أنه في وارد التراجع أو التوقف.

في التفحص الموضوعي، وبلا أي تحامل سياسي، سنرى بقدر ما شكل "الطوفان" ذريعة "لنتنياهو" صاحب مشروع حرب الإبادة، بقدر ما اتضح، والحالة هذه، كحاجة إسرائيلية كان لا بد من تصنيعها على هذا النحو أو ذاك، لن نقول هنا بتواطؤ حماس مع إسرائيل في هذا الإطار، على الأغلب هي الحسابات الخاطئة، الحسابات الحزبية، لا الوطنية، ولا شك أن التمويل الإيراني، قد غذى هذه الحسابات، وإلى حد صناعة القرار الحربي لدى حماس، لا تواطؤ، لكن  ما هي النتيجة الآن.

من الواضح أن الذي استفاد من "الطوفان" وإلى أبعد حد، إنما هو "نتنياهو" والصهيونية الدينية،  التي تغولت في العدوان على الأقصى، باقتحامات عدوانية متتالية، حتى بدت هذه الاقتحامات كأنها طوفان لهذه الجماعات الصهيونية المتطرفة.  و"نتنياهو" مع هذه الحرب الدموية، وبعد خطابه عن محور فيلادلفيا إزدادت أسهمه في استطلاعات الرأي الإسرائيلية، إزداد قوة حسب الصحافة الإسرائيلية. الخلاصة في كل هذا السياق أن "الطوفان" قد صب حتى الآن، في طاحونة "نتنياهو" تمامًا.

وللمفارقة الدراماتيكية الجارحة، فقد أعادت إسرائيل مع هذه الحكومة المتطرفة، احتلال القطاع، وسط تهليل وتمجيد شعبوي حاد "للطوفان"، إذ لم يدع المحلل العسكري ولا السياسي، في فضائيات التسليع الإخبارية، مجالاً لأي من الجمهور العربي، وحتى بعض الفلسطيني، من  التفحص الموضوعي، والوقوف على حقيقة الواقع، واقع الحرب، والطوفان معًا.

الحرب لم تنتهِ بعد، و"الطوفان" لم، ولن يصل لمبتغاه، كما وعدت خطابات حماس، وبيانات ناطقها العسكري.  سيستند نتنياهو لمقولته "الوضع اختلف الآن" ليواصل حربه الدموية ضد القضية الفلسطينية ومشروعها التحرري، وبتصعيد تحريضه على السلطة الوطنية لأنها كما يقول تريد تدمير إسرائيل. بمثل هذا الادعاء يسعى "نتنياهو" لفبركة شرعية مضافة لحربه العدوانية، والانقضاض على السلطة الوطنية.

دبابات الاحتلال وجرافاته لا مهمة لها سوى التدمير والتخريب، وعلى مرأى من العالم ومسمعه، ومع ذلك لا يجد رئيس الحكومة الإسرائيلية حرجا بالقاء تهمة التدمير على السلطة الوطنية، التي لا تعمل آلياتها سوى للبناء وإعادة البناء، والتعمير، ولا تعمل مؤسساتها التربوية والثقافية والاجتماعية سوى على تعزيز وتنمية خطاب وثقافة السلام، ونبذ الإرهاب والعنف، وتكريس المقومات الحضارية والإنسانية لدولة فلسطين الحرة المستقلة، التي تريد العيش بسلام وأمن، مع جارتها، إن أرادت هذه الجارة السلام والأمن والاستقرار.

"الوضع اختلف الآن" لكن الاختلاف الذي أظهر حقيقة إسرائيل التدميرية، وكشف حقيقة تاريخها، بأنه محض "حرب بين الحروب" وبالقدر نفسه أظهر مرة أخرى حقيقة فلسطين المطعونة بالظلم والاحتلال والعدوان، وكشف عن بلاغة صبرها وصمودها، وإصرارها على المضي في دروب الحرية والاستقلال مهما بلغت التضحيات، فلا بد للقيد أن ينكسر، مهما تصلب فولاذ هذا القيد، ومهما تحصن بجدران الفكرة العنصرية، التي لن تكون غير جدران وهم، واهية.