فجر السبت العاشر من آب/أغسطس الحالي قامت الطائرات الحربية الإسرائيلية بإلقاء ثلاثة قنابل بعضها من الوزن الثقيل "2000 رطل" على المصلين في مصلى مدرسة التابعين في حي الدرج شرق مدينة غزة، مما أسفر عن سقوط ما يزيد عن مئة شهيد وعشرات الجرحى من الأطفال والنساء والشيوخ والشباب الفلسطينيين النازحين للمدرسة من بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا ومن أحياء مدينة غزة، حيث كانت تأوي نحو 2400 نسمة.
وتأتي المجزرة الوحشية كاستمرار للإبادة الجماعية الإسرائيلية الأميركية على الشعب الفلسطيني في محافظات قطاع غزة خصوصًا ومحافظات الوطن عمومًا، وتعتبر من أبشع ثلاثة مجازر وحشية ارتكبتها دولة إسرائيل النازية وجيش موتها المتوحش، واللا أخلاقي، بالإضافة لمجزرتي مستشفى المعمداني في مدينة غزة، ومجزرة المواصي في خان يونس، طبعًا هناك مئات المجازر البشعة، لكن يمكن اعتبار تلك المجازر الأكثر همجية وفظاعة، لأنها هرست عظام ولحم الأطفال والضحايا، ولم ينجو جسد أي من الشهداء سالمًا، وانما تم تمزيقها إربًا إربًا، حتى قام النازحون في المدرسة بلملمة قطع لحم أجسادهم المتناثرة في المكان، وبسبب ذلك ضاعت ملامح ومعالم الضحايا، ولم يُعرف العديد منهم، أضف إلى ذلك وجود بعض الأجساد الممزقة تحت الأنقاض، ولم تعرف هويتهم الشخصية.

وجاءت المجزرة الإسرائيلية الرهيبة بعد إصدار البيان الثلاثي الأميركي المصري والقطري أول أمس الجمعة بنحو 24 ساعة، وكأن لسان حال نتنياهو، رئيس وزراء حكومة إسرائيل النازية، أن بيانكم لا يساوي الحبر الذي كتبتموه به؛ وأن الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني متواصلة، ولن تتوقف، إلا عندما أقرر ذلك، وأحقق أهدافي الخاصة والإسرائيلية الصهيونية العامة؛ كما أن سلسلة المجازر المروعة والبشعة، إنما هي انعكاس لما صرح به وزير المالية سموتيريش، الذي اعتبر أن تجويع وإبادة مليوني إنسان فلسطيني "أمر مبرر وأخلاقي"، وكاستمرار لتصريح بن غفير، وزير الأمن "القومي"، الذي فرض حرب التجويع والتعذيب الوحشي على أسرى الحرب الفلسطينيين لإبادتهم؛ أيضًا تعكس المجزرة الوحشية إصرارًا على استهداف مراكز ايواء النازحين بذرائع وحجج واهية، والهدف الأساس من المذبحة الجديدة هو ارغام وعي الجماهير الفلسطينية، على القبول بالرواية الإسرائيلية وأكاذيبها وتلفيقاتها المفضوحة والمرفوضة فلسطينيًا؛ كما أنها تهدف إلى دفع المواطنين الفلسطينيين إلى الهجرة القسرية، وإخلاء مدن وقرى ومخيمات المحافظات الجنوبية، لعدم وجود مكان آمن فيها، ولا مجال للعيش في مدارس الإيواء، ولا في المستشفيات، ولا في أي بقعة منها. لأن قطاع غزة لم يعد صالحًا للحياة، ومرفوض على الفلسطينيين أن يواصلوا البقاء في أرض وطنهم الفلسطيني. وعليهم أن يختاروا بين الموت والإبادة والتطهير العرقي أو العيش كالعبيد لمن يبقى حيًا.
أما خلفيات المجزرة فتعود إلى: أولاً تساوق الرأي العام الإسرائيلي مع خيار حكومة الإبادة الإسرائيلية النازية، حيث باتت الغالبية في أوساطه تسير نحو التطرف والفاشية. رغم أن نسبة كبيرة تطالب نتنياهو بالاستقالة، وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، إلا أن ذلك، لا يتناقض مع ميلها لمزيد من التطرف؛ ثانيًا وقوف الولايات المتحدة الأميركية خلف حكومة الائتلاف الإسرائيلي الحاكم بلا تردد، ليس هذا وحسب، بل تقدم لها الدعم المالي الاقتصادي والعسكري والأمني والديبلوماسي والإعلامي والقانوني، وتقف بالمرصاد للقوى التي تحاول التصدي لإسرائيل، وتعمل على تجييش أساطيلها وبوارجها وحاملات طائراتها لحماية ربيبتها وأداتها الوظيفية؛ ثالثًا نتاج غياب التدخل الأممي، ولعدم ارتقائه لمستوى المسؤولية السياسية والديبلوماسية والقانونية في صد التوحش الإسرائيلي، والمراوحة في ذات الموقع، الذي لا يتجاوز لغة الإدانة والاستنكار والشجب، التي لا تسمن ولا تغني من جوع. مع أن ميثاق الأمم المتحدة ولوائح الجمعية العامة للأمم المتحدة تسمح للدول المختلفة بإمكانية عزل إسرائيل، ونزع الاعتراف الأممي بها.

لا سيما وأن هناك وثيقة إسرائيلية وقع عليها موشيه شاريت، وزير خارجيتها الأول عام 1949 بالالتزام يتنفيذ القرارين الأمميين 181 و194 مقابل اعتراف الأمم المتحدة بإسرائيل؛ رابعًا لغياب الدور العربي الرسمي في الارتقاء لمستوى المسؤولية تجاه الشعب العربي الفلسطيني، ومراوحتهم في مواقع الدعم السياسي المعنوي، ولم يحاولوا اللجوء لاستخدام أوراق القوة الموجودة بأيدهم لفرض وقف الإبادة الجماعية الإسرائيلية الأميركية؛ خامسًا كما أن القيادة الفلسطينية تأخرت في تطبيق قرارات المجلسين الوطني والمركزي لمنظمة التحرير وخاصة القرار المتعلق بسحب الاعتراف بإسرائيل، ومطالبة الجمعية العامة للأمم المتحدة بإلغاء الاعتراف بإسرائيل استنادًا للوثيقة التي وقع عليها شاريت، وكان سيادة الرئيس محمود عباس أعلن عن ذلك في خطابه أمام دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2022، الأمر الذي يدعو لمتابعة التوجه والقرار الفلسطيني لفرض المزيد من العزلة على إسرائيل، ودعوة المجلس المركزي للانعقاد فورًا لمناقشة التطورات واشتقاق البرامج السياسية والكفاحية والتنظيمية المناسبة لمواجهة تحديات المرحلة الحالية والقادمة.
المجزرة الوحشية الجديدة في مدرسة التابعين في حارة الدرج شرق مدينة غزة تتطلب من الجميع الارتقاء إلى مستوى المسؤولية السياسية والديبلوماسية والقانونية لملاحقة قادة إسرائيل والإدارة الأميركية ومن يدور في فلكهم، والعمل على تعميق عزلة الدولة الإسرائيلية اللقيطة والنازية لفرض وقف الإبادة الجماعية فورًا وبشكل دائم، وإدخال المساعدات الإنسانية كافة، ووقف التهجير القسري لأبناء الشعب الفلسطيني، وإعادة تأهيل الحياة في المجالات المختلفة، والشروع بإعادة بناء ما دمرته الإبادة الجماعية وحرب الأرض المحروقة، ومن ثم الذهاب للمؤتمر الدولي للسلام لتكريس استقلال وسيادة دولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967، وتأمين حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وضمان عودة اللاجئين الفلسطينيين لديارهم استنادًا للقرار الأممي 194.