لم يكن جابوتنسكي يعتقد وهو يكتب كتابه الجدار الحديدي في عام 1923 بأن تبريراته التي استخدمها في تطهير الصهيونية الحديثة لن تكون مقنعة والعالم يشاهد المجازر الإسرائيلية التي ترتكبها حكومة اليمين الاسرائيلي بزعامة نتنياهو وسموتريتش وبن غفير. فالجيبوتنسكية التي رأت في الصهيونية أداة قوية للتقدم والنمو والحرية في العالم، ومظهرًا من مظاهر شيوع المدنية الغربية في الشرق الأوسط، تحولت بشكل سريع بعد تولي الصهيونية الدينية مقاليد الحكم في إسرائيل إلى نمط من أنماط الفاشية والفصل العنصري.
وهنا نجد أن أعمدة الدولة العبرية تتباهى في ممارسة الفاشية والأبرتهايد ضد الشعب الفلسطيني، فرئيس الوزارء الاسرائيلي نتنياهو يصرح مرارًا بأنه أفشل حل الدولتين ويسعى بشكل حثيث إلى إقامة دولة يهودية خالصة مع فرض نظام أبرتهايد على الفلسطينيين.

أما وزير المالية الإسرائيلي سموتريتش فقد رفض إطلاق صفة الشعب على الفلسطينيين، وضاعف الاستيطان منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول ليحاصر المدن والتجمعات الفلسطينية من خلال كتل استيطانية كبيرة.
ليس هذا فقط، بل إنه وفي تصريحه الأخير اعتبر أن تجويع وقتل مليوني مواطن في قطاع غزة هو أمر أخلاقي ومنطقي من أجل الإفراج عن الأسرى والرهائن الإسرائيليين، كما طالب العالم بأن يقتنع بهذه المقاربة ويساعد إسرائيل على تحقيق هذه الإبادة الجماعية.
من جانبه، قام وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير بتسليح أكثر من 600 ألف مستوطن في الضفة الغربية، وقام بتشجيعهم على شن هجمات مسلحة على الفلاحين الفلسطينيين تحت حماية الجيش. وعندما قام عشرة جنود بالاعتداء الجنسي على أسير فلسطيني من قطاع غزة في معسكر "سديه تيمان" سارع بتنظيم مظاهرات واقتحام المعسكر منعًا لاعتقال هؤلاء الجنود الساديين. وأكد بن غفير بأن هذه الحادثة جاءت لاعتبارات الدفاع عن النفس تمامًا كما أشارت إليه نتائج استطلاع رأي إسرائيلي بأن 47% من الإسرائيليين يؤيدون مثل هذه الاعتداءات تجاه الأسرى بما يشير بشكل واضح إلى أن غالبية المجتمع الإسرائيلي تحول إلى الفكر الفاشي والعنصري.

إن هذه الصهونية الدينية الحاكمة دفعت العديد من يهود العالم إلى فك الارتباط بينهم وبين الصهيونية، وهذا ما أشارت إليه نتائج استطلاع رأي أجراه معهد أبحاث السياسة اليهودية في مقره بلندن، صدرت في فبراير/  شباط، حيث أظهرت النتائج  تراجع نسبة اليهود البريطانيين الذين يعرّفون أنفسهم بأنهم صهاينة من 73% قبل 10 سنوات إلى 63%، وخاصة في صفوف الشباب. وبنفس السياق، كتب الكاتب والناشط اليهودي الأميركي الشهير أرون جيل بأنه لم يعتبر نفسه أبداً معادي للصهيونية، إلا أنه بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول غير وجهة نظره عندما شاهد صور جثث الأطفال الهامدة، واستمع إلى الخطاب اللاإنساني الصادر عن السياسيين والجنود الإسرائيليين. وفي الواقع ليس هذا فقط موقف جيل وحده، بل إنه أيضًا موقف العديد من المؤسسات اليهودية التي غيرت من موقفها الداعم للصهيونية إلى موقف معارض لها،  ومعارض للإبادة الجماعية في قطاع غزة، وداعيًا للاندماج مع المجتمعات الغربية، تمامًا مثل موقف المجلس الأميركي لليهودية بزعامة ستيف نامان، وكذلك منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام، ومنظمة "ليس باسمنا"، ومنظمة ناطوري كارتا.

وفي هذا الإطار، يقول نورمان فلنكشتاين أستاذ العلوم السياسية في الولايات المتحدة - وهو من أصل يهودي: يجب "التوقف عن توصيف الوضع بأنه "احتلال"، فإسرائيل هي أساسًا وبما لا يقبل الجدل، "دولة" فصل عنصري اغتصبت أرضًا ومضت تنكّل بشعبها من أجل إبادته".
وفي هذا المقال أريد أن أنبه حركات التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني إلى أهمية تنظيم برامج مشتركة مع الصوت اليهودي المناهض للصهيوينة، وذلك بهدف إبطال مقولة الصهيونية بأنها تماثل اليهودية أولاً، ولكون الصوت اليهودي الحر سيساعد الشعب الفلسطيني في إيصال حقوقه إلى المنابر الدولية  لا سيما المتعلقة بضرورة الاعتراف بالدولة الفلسطينية ثانيًا.