الاعتذار، عادة ما يكون عن زلة لسان، أو عن تصرف غير لائق، أو عن خطأ في حسابات موازنة البيت، وما شابه ذلك من حسابات، ولا يجوز، ولا يصح الاعتذار عن الحماقة، والجهالة، والسلوك الأخرق، فهذه تنتج عادة المصائب والخسائر الفادحة.
بعد ستة أشهر على العدوان الحربي الإسرائيلي على قطاع غزة، والذي خلف حتى الآن مئات الآلاف من الشهداء والجرحى فيما تجاوز عدد النازحين من الشمال والوسط إلى جنوب القطاع، المليون ونصف المليون نازح، بعد أن باتت بيوتهم، ومساكنهم، ودروب حياتهم، ركامًا فوق الركام، بعد ستة أشهر على هذه الفاجعة الكبرى، التي استجلبها كما بات معروفًا، ولا يحتمل أي مراوغة للواقع، والحقيقة "طوفان الأقصى" الذي بات في شعارات محور طهران، طوفان دم قاسم سليماني! بعد هذه الفاجعة، التي لم تنته فصولها حتى الآن، تصدر حركة حماس، بيانًا تعتذر فيه لأبناء القطاع المكلوم "عن تأخرها في معالجة أي خلل، وعن كل سوء تصرف، بقصد أو بغير قصد، سبب إرهاقًا لأهلنا" الفاجعة الكبرى إذن برأي حماس، مجرد إرهاق، تعتذر حماس بتسببه، جراء تصرف بقصد أو بغير قصد.
ليس هذا اعتذارًا ولا بأي معنى من المعاني، وإنما هو كشف بليغ، عن صلافة الحمق، وغطرسة النكران، وهو لهذا لا يرجو سماحًا، وإنما يستهدف عودة للسيطرة على أهل القطاع، وقد باتت شكواهم إلى العلي القدير، من مغامرة لم يحسب أصحابها، أيًا من مقاديرها ونتائجها، مغامرة زلزلت كيان حياتهم، وأفقدتهم الأحبة، والبيوت، وحتى رغيف الخبز، وشربة الماء النظيفة.
بعد ستة أشهر مجرد بيان اعتذار، لا مكاشفة فيه، ولا مراجعة، ولا اعتراف بالخطأ الفادح، مع أن الاعتراف بالخطأ فضيلة، وفي الواقع بقدر ما في هذا البيان من صلافة الحمق، وغطرسة النكران، بقدر ما يكشف عن عمق الأزمة التي باتت تعيشها حماس، حتى توهمت أن اعتذارًا مزعومًا قد يخرجها منها! على أن هذا ليس هو الوهم الوحيد الذي بات يصوغ خطابات حماس، وتصريحات مسؤوليها، بل هناك ما هو أخطر من وهم الاعتذار، وذلك هو وهم المناشدة الملتاعة، كما في لغة خالد مشعل، والرامية لإعادة. الروح لربيع أخرق في الشارع العربي، المصري، والأردني على نحو ملح، لعل الفوضى التي تريدها حماس في هذا الشارع، يمكن أن تغطي على أزمتها أو قد تخرجها من هذه الأزمة، إذا ما عمت الفوضى، وانحرفت البوصلة بعيدًا عن جريرتها، وعن عجزها في تحقيق أي هدف من أهداف "الطوفان" التحررية خاصة، ومفاوضات عقد صفقة التبادل، ووقف النار، حتى بهدنة مؤقتة، قد جردت "الطوفان" من هذه الأهداف، بصورة لم تعد خافية على أحد، وقد باتت أهدافه تقتصر واقعيًا على مجرد وقف الحرب، والحصول على هدنة لبضعة أسابيع، لتتمكن من إعادة ترتيب شؤونها السلطوية في القطاع المكلوم، ومن ذلك إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع تحت إشرافها، وعلى ما يبدو فقد بات هذا هدفًا مركزيًا لها.
وفي هذا السياق ولأجل هذا الهدف، تعيد حماس تشغيل أسطوانتها المشروخة، ضد السلطة الوطنية، وأجهزتها الأمنية، لبث الفوضى، وتعظيم نيران الفتنة في الوضع الداخلي، لتشتيت الجهد الوطني الساعي في دروب وقف العدوان الحربي الإسرائيلي، وإدخال المساعدات الإنسانية لأهلنا في القطاع المكلوم، فتواصل حماس فبركاتها وأكاذيبها لتشويه هذا الجهد، بل وتغتال ضابطين من ضباط جهاز المخابرات العامة الفلسطينية، كانا يساعدان في تأمين دخول المساعدات الإنسانية، والعمل على توزيعها بشكل لائق على أبناء القطاع، ودون أي تأخير.
كل هذه السياسة، التي تواصلها حماس عن سابق إصرار وترصد، إنما هي سياسة الأزمة، والنكران، سياسة الطرق المغلقة، وما من حلول لها مع هذه السياسة، ويبقى مرة أخرى، وبأمانة وطنية بالغة نسأل: هل تعي حماس كل ذلك قبل فوات الأوان، وقبل أن يكون لا فائدة من أي ندم؟
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها