الناس هنا في غزة أصبحوا لا ينامون ولا يحلمون ولا يأكلون لم نتوقع أننا سنصل إلى هذه المرحلة ما يشغل سكانها هو كيف أن يخرجوا من جنون الطائرات الحربية الإسرائيلية أحياء، فالموت أصبح يلاحقنا في كل لحظة وثانية فالطائرات تغطي سماء غزة وصوت القصف المتواصل والكثيف لم يتركنا.
 

فهناك فرق كبير بين أن تسمع عن غزة أو أن تعيش فيها فرغم أن سكانها حافظوا على صمودهم إلا أن كل شيء فيها تغير فالملامح فيها هناك كانت مختلفة تماماً، تغييرات إبادية جرت على المكان شوارع غير شوارعها وبيوت غير بيوتها وأشجارها تحتضن الأرض باكية حزينة على ما حدث لها فأصبح صباحها مساءها ومساءها صباحها أصبحوا لا يفرقون بين الحزن والفرح، يضحكون ويفحزنون يتحدثون عن دمار منازلهم وعن فراق أحبتهم ويعودون إلى الصدمة من جديد أمام أستمرار عبث القصف داخلها .


فأين المدارس والجامعات وتل الهوى والكتيبة وأين السرايا والرمال وأنصار و المجلس التشريعي والجندي المجهول وميناء غزة الجميلة وأين شارع الرشيد و صلاح الدين  كل شيء أختلف تماماً أين مخيماتها التي أصبحت كلها دمار أين كل شيء فالدبابات أكلت كل شيء في طريقها.

خرج المواطنين من بيوتهم على أمل العودة فكان لقاءهم في ملهاة الحزن بين الخيام في ليالي الشتاء القارصة الطويلة على مفترق الوجع كل الوجع لم يكونوا يعلموا خبث هذه الحياة و ما تخفيه لهم هكذا كان لقاءهم وكل منهم يحمل بداخله تشرد عاطفة و رغبة لمأوى القلب و رغبة للعيش باستقرار و أمان.
بين نكبة عام ١٩٤٨ ونكبة عام ٢٠٢٣ والممتدة حتى كتابة حروف هذا المقال سقط مئات الآلاف من الشهداء الفلسطينيين وأكثر منهم من الجرحى وأكثر وأكثر من الأسرى الفلسطينيين حيث أمضى العديد منهم أكثر من أربعين فى غياهب السجون، بين النكبة الفلسطينية الأولى والنكبة المستمرة والمتدحرجة يقف الفلسطيني شامخًا حائرًا و لكنه يرنو بعيونه نحو الحرية و العودة والدولة، لم يكونوا يعلموا أن هذه الحرب مجنونة تحمل في ثناياها الكثير من القهر والألم و المعاناة فالشعب وحيداً.

لكن السر والأكثر بطولة يكمن في كل واحد من أبناء شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة الذي ذاق ويلات الألم و المعاناة و القهر في ظل غياب الأصوات التي تنادي لفجر الحرية و الوطن فأدوا صمودهم بجرأةٍ لا تقف عند حدٌ مداخل و مخارج قطاع غزة فحسب، وإنما أمام كل بيت فلسطيني لا يعطي للحرب المجنونة أي قيمة أو ثمن.

قلوب أبناء شعبنا البيضاء هي من تجمعهم الآن، أصبحت البيوت تفتقر لأبسط موادها التموينية وحاجياتهم الأساسية جمعت كل منزل وكل خيمة فالروح متشابهة في الألم والموت والقصف.

وفي النهاية الكل في غزة أصبح بانتظار اللحظة الحاسمة لإنتهاء هذه الحرب المجنونة والجميع أصبح على قيد الموت.