تتسارع وتيرة الضغوط الأميركية والأوروبية والعربية الرسمية على إسرائيل لابرام اتفاق الهدن الثلاث لتبادل الاسرى مع اذرع المقاومة، ولهذا عقد امس الثلاثاء 13 فبراير الحالي اجتماعا رباعيًا جديدًا في القاهرة ضم كل وليم بيرنز، رئيس المخابرات الأميركية، وديفيد برينع، رئيس الموساد الإسرائيلي، ومحمد بن عبد الرحمن آل ثاني، رئيس الوزراء القطري وعباس كامل، رئيس المخابرات المصرية لتمرير صفقة الاتفاق، وتجسير الهوة بين مواقف حركة حماس وحكومة نتنياهو، التي يُصر رئيسها على اجتياح رفح الفلسطينية. 


ووفق بعض المؤشرات الإعلامية الراشحة عن جهود القوى الأربعة المنخرطة في المفاوضات لابرام الصفقة، بوجود تقدم نسبي في ردم بعض الفجوات بين الطرفين الحمساوي والإسرائيلي. لكن مازالت هناك نقاط عدة محل تباين وخاصة في أولا عدم السماح لعودة النازحين الفلسطينيين لمدنهم وبلداتهم في محافظات شمال غزة، وقصر عودتهم للمحافظة الوسطى في القطاع؛ ثانيًا رفض حكومة حرب الإبادة الإسرائيلية إزالة حاجزها العسكري ودباباتها من منطقة وادي غزة وإصرارها على بقائها هناك تفصل شمال القطاع عن جنوبه؛ ثالثًا الإصرار على اجتياح محافظة رفح. رغم أن ذلك يعني اختراق اتفاقية السلام مع جمهورية مصر العربية 1979؛ رابعًا رفض وقف الحرب بشكل نهائي على محافظات الجنوب الفلسطينية بعد انتهاء مدة الهدن التي تصل اجمالاً ل130 يومًا؛ خامسًا التشبث الإسرائيلي بإقامة منطقة عازلة شمال وشرق قطاع غزة بمساحة تصل إلى 50 كليو متر مربع؛ سادسًا عدم الحديث عن اليوم التالي للحرب الهادف للذهاب لمؤتمر دولي للسلام لتكريس خيار حل الدولتين على حدود الرابع من يونيو 1967. 


ومن الواضح أن إسرائيل ليست معنية بالذهاب بعيدًا مع اتفاق الهدن الأميركي، ويبدو واضحًا ان نتنياهو لم يعد يتعاطى إيجابيًا مع رؤى وتوجهات إدارة بايدن، ويراهن على عودة الجمهوريين لسدة البيت الأبيض، وكل ما يهمه من أي اتفاق تحقيق هدف واحدة، هو الافراج عن الرهائن الإسرائيليين، وفي الوقت ذاته تمانع بالافراج عن أسرى الحرية الفلسطينيين وخاصة أصحاب المحكوميات العالية، أو ما تطلق عليهم تعبير "الملطخة أيديهم بالدماء الإسرائيلية"، وكأن ايدي قادتها وجيشها وأجهزتها الأمنية وقطعان مستعمريها لم تتلطخ بدماء الأطفال والنساء والشيوخ والشباب الفلسطينيين. وبالتالي إمكانية الحديث عن انفراجات لتقريب وجهات النظر مع اذرع المقاومة مازال بعيدًا. 


كما أن التغول الإسرائيلي على جمهورية مصر العربية، واختراق بنود اتفاقية السلام سيحمل في طياته تداعيات خطيرة، حيث هددت القيادة المصرية بطرد السفير الإسرائيلي من القاهرة، وسحب سفيرها من تل ابيب، وإلغاء اتفاقية السلام في حال تماديها وإدخال دباباتها وأسلحتها الثقيلة لمحور صلاح الدين فيلادفيا بذريعة تصفية كتائب حماس الأربعة. 
وفي السياق، فإن حركة حماس في حال وافقت على الهدن دون وقف اطلاق النار بالنتيجة النهائية، وتراجعها عن إزالة الحاجز العسكري الإسرائيلي وسط القطاع، وعدم عودة النازحين للشمال، وقبولها بوجود منطقة عازلة، وعدم تأمين أماكن إيواء للمواطنين الفلسطينيين، ودخول المساعدات وفق الشروط الإسرائيلية، وعدم الذهاب للحل السياسي، وتمسكها بالبقاء تفاوض دون العودة للمرجعية الوطنية الفلسطينية قيادة منظمة التحرير، والتمسك بحساباتها واجندتها الخاصة والضيقة، والبقاء في قطاع غزة، دون عودة السلطة الوطنية بعيدًا عن ترميم الجسور مع الكل الفلسطيني وخاصة حركة فتح، فإنها تكون ارتكبت خطيئة عمرها، واوغلت في التيه الاخواني، وعمقت خيار الانقلاب الاسود، ولم تتعلم من الدرس الأهم لحرب الإبادة باستعادة الوحدة الوطنية، التي أودت بحياة 5% من سكان محافظات قطاع غزة، الذين تجاوزوا ال100 الف فلسطيني بين شهيد وجريح ومفقود، إضافة للتدمير الهائل للوحدات السكنية والمستشفيات والمراكز الصحية والمساجد والكنائس والمدارس والبنى التحتية. 


نعم الكل الفلسطيني بدءًا من قيادة منظمة التحرير وحكومتها الشرعية وباقي فصائل العمل الوطني وقطاعات الشعب تريد وقف حرب الإبادة الجماعية فورا، ودون تردد، وترميم حياة المواطن الفلسطيني المنكوب بويلات وفظائع الحرب. لكن دون القبول بعمليات التسويف والمماطلة الصهيو أميركية النازية، التي تريد أن تنزع الورقة الهامة من اذرع المقاومة، وهي الرهائن الإسرائيليين، وبعد ذلك المضي في خيار تصفية القضية الوطنية، الا اذا حدثت تطورات غير منظورة كنتاج لتداعيات حرب الإبادة والأرض المحروقة. 

ولهذا على حركة حماس أن تتقدم بخطوات إيجابية لترميم الجسور مع منظمة التحرير، والانضواء في إطارها على أرضية برنامجها. لاسيما وأن قادتها وناطقيها الإعلاميين يتحدثون علنا في مؤتمراتهم الصحفية عن التزامهم بخيار حل الدولتين على حدود الرابع من يونيو 1967، وبالشرعية الدولية، وبالتالي لا يوجد لديها ما يحول دون انخراطها في إطار الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وتشكيل حكومة تكنوقراط او مستقلين أو وحدة وطنية لتحمل مسؤولياتها ومهامها المتعلقة بإيواء المواطنين مؤقتًا لحين إعادة الإعمار لما دمرته حرب الإبادة الصهيوأميركية، وإعادة دورة العملية التربوية، وتأهيل المستشفيات، والكهرباء والمياه والبنى التحتية والاتصالات والانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني، وكل متطلبات المرحلة الانتقالية. فهل ترتقي حركة حماس لمستوى المسؤولية، أم ستبقى أسيرة أجندتها المرفوضة وطنيًا؟