بقلم: يامن نوباني
بقوة قلب ليست غريبة على المرأة الفلسطينية، ركضت الطبيبة أميرة العسولي غير آبهة برصاص القنص الإسرائيلي والطائرات المسيرة التي تستهدف كل جسم متحرك، لتنقذ مصابا على مدخل مجمع ناصر الطبي بمدينة خان يونس.
لم تترد العسولي للحظة واحدة في المخاطرة بحياتها لإنقاذ جريح ينزف على مقربة من المدخل الرئيسي لناصر الطبي، خلعت معطفها الشتوي، مسرعة بتجاه الشاب المصاب قبل أن يلتحق بها طبيب وشابان آخران.
وفي خلفية مقطع فيديو نشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كان شاب يجري خلف حمالة الإسعاف، رافعًا من معنويات فريق الإنقاذ قائلاً: "وحوش.. والله وحوش، عفية عليكم". فيما قالت العسولي بعد الحادثة: "ربنا نزع الخوف من قلبي، إذ شعرت أن هناك أحدًا يحتاج مساعدة، لم أفكر في نفسي، بل فكرت في إنقاذ الناس".
وأضافت العسولي في مقطع الفيديو المتداول: "عدت للعمل متطوعة في مجمع ناصر، رسالتنا منذ التخرج معروفة بالقسم، وهي أن أي إنسان بحاجة لمساعدة واجبي ألا أبحث عن نفسي بل عن إنقاذ روحه".
وتابعت: قبل فترة استشهد شاب تحت شباك المستشفى، توجهت إليه، ووجدت الدكتور محمد أبو لحية قد توجه أيضًا لإنقاذه، لكننا وجدناه قد استشهد، حملناه معًا إلى الثلاجات، سمعته وهو ينطق الشهادتين قبل ارتقائه.
العسولي، من المنطقة الشرقية لمدينة خان يونس، وهي استشارة نساء وولادة، متقاعدة من مستشفى ناصر الطبي، عادت إليه لتعمل متطوعة منذ بداية حرب الإبادة الجماعية على القطاع، حاصلة على بورد فلسطيني في النساء والولادة 2009 وبورد عربي في تخصص النساء والولادة، وعدة دورات في المناظير النسائية.
وفي سياق متصل، زمنيًا ومكانيًا واحتلاليًا، كان المسعفان يوسف الزينو وأحمد المدهون، يقومان بمهمة إنقاذ لا تقل خطورة، وسط البرد الشديد والعتمة، اتجها بمركبة الإسعاف إلى محيط دوار المالية في حي تل الهوى جنوب غرب مدينة غزة، بعد مناشدة الطفلة هند رجب لإنقاذ حياتها.
منذ تحركهما مساء الإثنين، 29 كانون الثاني المنصرم، فقد الاتصال بالزينو والمدهون. ولم تنفع كافة محاولات الوصول إليهما أو معرفة مصير الطفلة هند، التي ناشدت الإسعاف وذويها بالوصول إليها، عبر نداء سمعه العالم.
فيما تنص اتفاقية جنيف بشأن حماية المدنيين في وقت الحرب في مادتها الثامنة عشرة على أنه "لا يجوز بأي حال الهجوم على المستشفيات المدنية المنظمة لتقديم الرعاية للجرحى والمرضى، وعلى أطراف النزاع احترامها وحمايتها في جميع الأوقات".
وصباح أمس السبت، 10 شباط 2024، عثر على جثامين الشهداء الطفلة هند رجب (6 سنوات)، وخالها بشار حمادة وزوجته وأطفالهما محمد (11 عامًا) وليان (14 عامًا) ورغد (13 عامًا).
هند عاشت ساعات طويلة من الرعب والجوع والبرد والعتمة وسط جثث الشهداء الخمسة من أقاربها، فيما كانت دبابات إسرائيلية تحفر بجنازيرها حول مركبتهم التي أمطرتها بالرصاص.
جمعية الهلال الأحمر نشرت تسجيلا صوتيا، يسمع فيه صوت الطفلة ليان وهي تحاول إخبار خدمات الإسعاف بما يدور حولها، وتقول: "عمو قاعدين بطخوا علينا، الدبابة جنبنا، إحنا بالسيارة وجنبنا الدبابة"، وبعد ذلك سمع صوت إطلاق وابل من الرصاص بينما كانت ليان تصرخ، لينقطع الاتصال معها بعد ذلك.
في الوقت الذي كانت فيه هند تناشد العالم، كان الزينو والمدهون قد وصلا على بعد أمتار قليلة بعد تنسيق مع المنظمات الدولية والحقوقية، لكن، وكعادته، احتلال لا يمتلك أدنى مقومات الأخلاق لا في الحرب ولا في السلم، قصف مركبة الإسعاف وترك المسعفين الزينو والمدهون يحترقان حتى تفحمت وذابت جثتيهما.
لا أحد يدري متى استشهدت هند، ولا كم لبثت وقتا وهي ملقاة بين الجثث الخمس، ولا إن كانت سمعت صوت الإسعاف فظنت للحظة أن إنقاذها بات وشيكا، ولربما رأت عملية قصف الزينو والمدهون.
12 يومًا، والدبابات تحاصر جثثًا، وطفلة ظلت لساعات على قيد الحياة، قبل أن يقتلوا الأمل في إنقاذها، فما هي البطولة والانتصار على جثث؟ وعلى صراخ وخوف طفلة (6 سنوات)؟ وعلى مركبة اسعاف؟
يُشار إلى أن وزيرة الصحة مي كيلة، أعلنت قبل أيام أن 340 طبيبًا وعاملاً في القطاع الصحي استشهدوا جراء عدوان الاحتلال المتواصل على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول المنصرم، وأصيب نحو 900 بجروح مختلفة، فيما تواصل سلطات الاحتلال اعتقال 100 كادر".
كما تجدر الإشارة إلى أن مجمع ناصر الطبي ومستشفى "الأمل" في خان يونس يتعرضان لحصار كامل منذ أكثر من 21 يومًا، حيث يُحاصر في "ناصر" 300 كادر صحي و450 جريحًا ومريضًا و10 آلاف نازح داخل المجمع، الذي استشهد وأصيب بداخله وعلى مداخله العشرات بفعل القصف والقنص الإسرائيلي اليومي، فيما يُحاصَر في "الأمل" 100 كادر صحي، وعشرات المرضى، و7 آلاف نازح. فيما استشهد فجر اليوم الاحد، ثلاثة مرضى داخل "الأمل" نتيجة نقص الأكسجين، حيث يمنع الاحتلال إدخال أي كمية وقود أو أجهزة طبية إلى المستشفى، وقام بتدمير أجهزة ومعدات طبية قبل عدة أيام خلال اقتحامه المستشفى.
يُذكر أن 14 مستشفى من أصل 36 في غزة تعمل بشكل جزئي، بينها تسعة مستشفيات في الجنوب وستة في الشمال.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها