لا مبرر لمتقصد مع سبق الإصرار، أو لجاهل حرف بوصلة نضالنا الوطني، وتفجير غضبه لسانيًا أو ناريًا نحو القيادة السياسية أو المؤسسة الأمنية الفلسطينية، لأن أبسط أخلاقيات النضال الشعبي تقضي بتوجيه الفعل والعمل المنظم نحو منظومة الاحتلال والاستيطان العنصرية. شرط الانضباط لقواعد ومبادئ النضال الوطني الخالص، النقي من شوائب الفئوية، والمصالح الذاتية والشخصية.
لقد كان وما زال قدر المؤمنين بمبادئ الوطنية الفلسطينية العض على الجراح، والتعالي على الخلافات مهما كان نوعها، والارتقاء إلى مستوى المسؤولية الوطنية، وبلوغ ذروتها في مواجهة المؤامرات الاستعمارية الدولية - الصهيونية على الشعب والحق الفلسطيني، وكذلك في لحظات المواجهة المباشرة مع الاحتلال، والأهم عندما تنفتح جراح الشعب الفلسطيني لتنزف شلالات دماء، وعندما تصبح حملة الابادة عنوان اللحظة، وما فيها من أسماء لعشرات آلاف الضحايا الأبرياء، تكاد تعجز الحواسيب عن عدهم وجمع أرقامهم المتناثرة في المدن والبلدات والقرى والمستشفيات والأسواق، وتحت الركام !!.. وقدر الوطني أيضًا حماية الجبهة الوطنية الفلسطينية الداخلية من مخاطر انحراف بوصلة الصمود والمواجهة والنضال الشعبي، في أيام فارقة، يرتكب فيها جيش ومستوطنو منظومة الاحتلال المصنفة جرائم حرب وضد الإنسانية على الهواء مباشرة ، فخفافيش الظلام يتقصدون حرف البوصلة، يستغلون اللحظة وما فيها من فيض عاطفي وانفعالي، للمس برموز وطنية، ولدفع بعض الجمهور نحو حقول ألغام زرعها ( الشاباك ) في دروبنا، لإحراق الأخضر واليابس، إذا نجح بتفجيرها بصراعات داخلية تشغلنا مع المعركة المصيرية مع منظومة الاحتلال!! لذا يجب ألا نسمح للمحتل بتحقيق هذا الهدف. فاحذروا يا شباب الوطن. فأنتم ذخره ولا تسمحوا لأصحاب الأجندات الخاصة والفئوية بتدمير ذاتكم الوطنية، بما فيها من حقوق وواجبات، وتعقل وحكمة وشجاعة وثبات على المبادئ والأهداف.
إن مراعاة الحالة العاطفية الانفعالية التي تعيشها جماهير شعبنا في هذه اللحظات المصيرية، لا تعني أن الوطنيين حقًا غافلون عن رؤوس وأذرع المؤامرة، فجميع هؤلاء تحت المجهر – رغم محدودية رقمهم لكن نتائج افعالهم خطيرة! لذلك يراقبهم الشعب الفلسطيني رغم انشغاله في صد حملة الابادة الصهيونية، وترصدهم جهات الاختصاص، وتمنع اذاهم الذي سيصب في خانة أهداف منظومة الاحتلال الاجرامية دون حاجتها لحملة إبادة تالية أو حتى موازية، ونعتقد أنه لو كان لدى من ارتضى أن يكون ذراعًا للاحتلال ذرة من الوطنية، لاحترم أرواح ودماء عشرات الآلاف من شعبنا في غزة ما بين شهيد وجريح ومصاب، ومعهم مئات الشهداء وآلاف الجرحى في ربوع الوطن الأخرى، وكل من ارتقت أرواحهم منذ السابع من أكتوبر الحالي وما قبله أيضًا، فالغضب مشروع، وأشكال التعبير عنه مشروعة، لكن العبث والفوضى وتحطيم أرزاق الناس، والإضرار بمصالحهم، وتوجيه سهام التشكيك بوطنية وانتماء المؤسسة الأمنية، وإطلاق الرصاص على مقراتها ودورياتها، فيما العدو الصهيوني الذي يرتكب المجازر واضح ومعلوم ومعروف لهؤلاء، تمامًا كما يعرفون حواجز الاحتلال المنتشرة في كل مكان على أرض الوطن، فهناك يمكنهم إرباك حركة جيش الاحتلال ومستوطنيه الإرهابيين، ولكن ليس قبل تنظيم جهودهم في اطار عمل شعبي منظم منضبط يتشاركون فيه مع جميع القوى الوطنية العاملة فعلاً على الأرض ولا وجهة لها لتكريس دورها الوطني إلا حواجز الاحتلال العسكرية، أو تشديد المقاطعة لمنتجاته، وتعزيز التلاحم الوطني، وتوفير مقومات الصمود بعقلية العمل الجمعي، وروح الاخاء، فنحن اليوم جميعنا جسد واحد، وخطر الإبادة سيداهمنا أيضًا، إن لم نبلغ ذروة الوعي الوطني في هذه اللحظات المصيرية، فمؤامرة تهجيرنا، ودفعنا الى نكبة ثانية، ليست ترفًا كلاميًا، وإنما حقيقة باتت تفاصيلها المغمسة بدماء آلاف الشهداء من شعبنا لا تحتاج إلا لمواطن واع، يسيد الحكمة والعقلانية على سلوكه وانفعالاته، فالغضب حتى وإن بدا مؤشرًا على التفاعل مع الحدث، إلا أن الحدث الآن يتطلب افضل الأفكار وأحسنها الواقعية ، والمقترحات ، العملية ، لتجسيدها واقعا ماديا في مواجهة حملة الإبادة، وكل هذا لا ينفع ما لم يتم ضبطها ورسمها في مخطط وطني شامل، وبرامج عمل، حيث يتحمل كل مواطن مسؤوليته، ويدرك أبعاد مهمته الملقاة على عاتقه.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها