في سابقة ليست الأولى على الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرش أول أمس الأربعاء الموافق 25 تشرين أول / أكتوبر الحالي، وفي أعقاب ما تضمنته كلمته أمام مجلس الأمن الدولي، والتي جاء فيها "من المهم أن ندرك أن هجوم حماس لم يحدث من فراغ. يعيش سكان فلسطين تحت الاحتلال الخانق منذ 56 عاما. لقد رأوا أراضيهم تمتلىء بالمستوطنات بشكل مطرد، وخنق الاقتصاد، ونزوح الناس، وهدمت المنازل. وآمالهم في التوصل إلى تسوية سياسية للحالة الصعبة تتلاشى أمام أعينهم. ولكن استياء الشعب الفلسطيني لا يمكن أن يبرر الهجوم المروع لحماس، والهجوم المروع لحماس لا يمكن أن يبرر العقاب الجماعي للشعب الفلسطيني". ردت القيادات الإسرائيلية والأميركية بشكل وقح متجاوزًا معايير العرف الديبلوماسي والأخلاقي والقيمي على غوتيرش، وجاء الرد المباشر من وزير خارجية إسرائيل، إيلي كوهين، ومندوبها الدائم في الأمم المتحدة جلعاد اردان، اللذين طالبوه بالاعتذار والاستقالة من منصبه لما ذكره.لانهم أرادوا حصر الصراع من السابع من تشرين اول / أكتوبر الحالي، وتجاهل التاريخ الذي مضى عليه اكثر من قرن بما في ذلك قبل نشوء إسرائيل على انقاض نكبة الشعب الفلسطيني عام 1948، والقفز عن مئات المجازر والمحارق الإسرائيلية، حيث ارتكبت الدولة المارقة والخارجة على القانون في خلال العشرين يومًا الماضية ما يزيد عن 700 مذبحة، وأبادت أكثر من 80 عائلة، تم شطبها وتصفيتها من السجل المدني، وما يزيد عن 7000 آلاف شهيد وقرابة ال19000 جريح جلهم من الأطفال والنساء بنسبة تفوق ال70%.
وجاء في بيان وزارة الخارجية الإسرائيلية اتهام مباشر للامين العام للأمم المتحدة، بأن موقفه تجاه إسرائيل الذي عبر عنه خلال مناقشات مجلس الامن متحيز ومشوه، وهو أيضًا "تبرير للارهاب البشع في 7 أكتوبر"، وأنه "وصمة عار" على سمعة الأمم المتحدة. ليس هذا فحسب، بل انها أعلنت تحديها للامين العام ومقاطعته، وحرمانها مسؤولي الأمم المتحدة من تأشيرات الدخول اليها، ما يعني عمليًا مضاعفة مأساة المواطنين في قطاع غزة، وتوسيع وتعميق عزلتهم، وافتقادهم أي امل بتلقي المساعدات الإنسانية من الأمم المتحدة.
كما أن منسق الاتصالات الاستراتيجية في البيت الأبيض، جون كيربي أبدى استغرابه، وأعلن انه لا يفهم ما يعنيه غوتيرش في حديثه عن ان "هجوم حماس لم يأت من فراغ".
وأضاف: "هذه حرب، هذه معركة، وهي دموية، انها قبيحة وستكون قذرة". وهو يعلم ما يعنيه الأمين العام جيدًا جدًا. ولكنه أسوة باتباع إدارته من الإسرائيليين يرفض رؤية تاريخ الصراع الممتد على مساحة 75 عامًا خلت. ويقصرها على السابع من أكتوبر.
وكانت إسرائيل في عام 2016 هاجمت الأمين العام السابق للأمم المتحدة، بان كي مون، الذي تحدث عن المظالم التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني". وكان في نطاق انتقاده لإسرائيل اللقيطة امام مجلس الأمن، أشار إلى أن مواصلة إسرائيل لبناء المستوطنات في الضفة الغربية، و"بعد قرابة خمسين عامًا من الاحتلال وعقود من اتفاقات أوسلو، فقد الفلسطينيون، ولا سيما الشباب الأمل". وتعقيبًا على موقف بان كي مون، قال نتنياهو أنذاك، بأنه يعمل على "تشجيع الإرهاب".
كما هاجموا الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، كوفي عنان على رسالته السرية لارئيل شارون، رئيس الوزراء الأسبق في 12 اذار / مارس 2002، واتهم فيها حكومته أثناء محاولاتها اخماد انتفاضة الأقصى "بإساءة استخدام القوة، مما أدى الى مقتل مئات الأبرياء، وتدمير العديد من المنازل والمباني". وردًا على نشر الرسالة، اتهمت إسرائيل تصرف الأمين العام الأسبق بغير اللائق، والمخالف للطرق الديبلوماسية. وطالبت البعثة الإسرائيلية لدى الأمم المتحدة حينئذ "اذا ارادت الأمم المتحدة المساهمة في إحلال السلام في الشرق الأوسط فعليها ان تحاول إعطاء المزيد من الثقة لكلا الجانبين".
وكانت العصابات الصهيونية "ارغون" و"شتيرن" اغتالت الديبلوماسي السويدي، فولك برنادوت بعد إقامة إسرائيل في 17 أيلول / سبتمبر 1948. لأن مساعده رالف بانش أصر على أن تبقى القدس في دولة فلسطين، وعارض ضم بعض الأراضي الفلسطينية للدولة الإسرائيلية المقترحة في قرار التقسيم الأممي 181 الصادر في 29 تشرين ثاني / نوفمبر 1947، كما اقترح وضع حد للهجرة اليهودية الصهيونية لفلسطين.
هذه النماذج من جرائم وانتهاكات العصابات الصهيونية ودولتها غير الشرعية تكشف، إنهم كانوا دومًا ضد الشرعية الدولية، ومؤسسات ومسؤولي الأمم المتحدة وخاصة الأمناء العامين. لأنهم لا يستقيموا مع القانون الدولي، ولا مع المعاهدات الأممية، ويرفضون الالتزام بمواثيقها وأعرافها، وبالتالي الهجمة على الأمين العام غوتيرش، هو امتداد لتجاوزاتهم وخروقاتهم السياسية والديبلوماسية والقانونية والأخلاقية والقيمية، ويرفضون التعامل الإيجابي مع أي مسؤول أممي يحاول أن يلامس الحقيقة، ويدافع عن الحد الأدنى من القرارات والقوانين الدولية ذات الصلة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ورغم هجوم إسرائيل الفاجر والوقح، إلا أنه رفض الاعتذار، ولم يستسلم لمشيئتهم، ولا لمشيئة اسيادهم، حتى لو لم يجددوا له لولاية جديدة، شكرًا للامين العام للأمم المتحدة غوتيرش، وللأمناء العامين السابقين لمواقفهم المنسجمة مع القانون الدولي.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها