اقترحت الولايات المتحدة الأميركية يوم السبت الموافق 21 تشرين أول / أكتوبر الماضي مشروع قرار في مجلس الأمن عنوانه الأساس تشريع قانون الغاب، وإرهاب الدولة الإسرائيلية المنظم ضد الشعب العربي الفلسطيني لاستباحة دم أبنائه عمومًا وفي قطاع غزة خصوصًا. وإن كان هذا المشروع الاجرامي بالشكل والمضمون لا يقتصر لاحقًا على الفلسطينيين الأبرياء والعزل، وإنما هو تصريح وترخيص بالقتل لكل إنسان على وجه الأرض يدافع عن حقوقه ومصالحه الوطنية والقومية والإنسانية. كما أنه يغتال ويستهدف القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وحق تقرير المصير للشعوب والأمم قاطبة، وهو عنوان لإعادة البشرية جمعاء إلى عصر القرون الوسطى ومرحلة العبودية دفاعًا عن هيمنة ومصالح الغرب الرأسمالي بقيادة واشنطن، ورفض قاطع وصارخ للنظام العالمي الجديد، الذي هو في طور التشكل. لأنه يهدد مصالح الغرب الامبريالي المتوحش واللا إنساني.
وأبرز نقاط المشروع اللا أخلاقي إن "لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها"، ويطالب إيران بالتوقف عن تصدير الأسلحة إلى "الميليشيات والجماعات الإرهابية التي تهدد السلام والأمن في أنحاء المنطقة"، وينسى دور وجرائم إسرائيل القائمة بالاحتلال منذ عام النكبة عام 1948، ويضرب ركائز السلام الممكن والمقبول، والزج باسم إيران ليس أكثر من ذريعة مفضوحة. وللتغطية على ابعاده الخطيرة يدعو الى "حماية المدنيين بمن فيهم أولئك الذين يحاولون النجاة بأنفسهم"، وفي ذات السياق يطالب الدول "إن تلتزم بالقانون الدولي عند الرد على الهجمات الإرهابية"، ويوغل في الافتراء على الحقائق والقانون الدولي الإنساني، عندما يحث الدول على ادخال المساعدات إلى قطاع غزة بشكل مستمر وكاف دون عوائق". حسب وكالة "رويترز" 22 تشرين اول / أكتوبر الحالي.
وطبعًا مشروع القرار لا يطالب بوقف للحرب لا فورًا ولا في زمن محدد، وهو يطلق يد أساطيل الحرب الأميركية والغربية وأداتهم اللقيطة إسرائيل لإبادة الشعب الفلسطيني، وتصفية قضيته الوطنية، وإلغاء حقه في الحياة، ويشطب مشروعه الوطني التحرري، الذي يصفه بغير ما فيه من حق الدفاع عن نفسه، ويلقي بالعدالة الإنسانية والسياسية والقانونية في سلة المهملات، ويحرمه من أبسط حقوقه المشروعة وفق القانون الدولي اسوة بشعوب الأرض.
وبالعودة الى المعاهدات والقوانين الدولية، التي تفند خلفيات وتداعيات مشروع القانون الوحشي، جاء في إتفاقية لاهاي 1907 المادة (50) " لا ينبغي فرض أية عقوبة جماعية، مالية أو غيرها، على السكان بسبب اعمال ارتكبها افراد، حيث لا يمكن اعتبار هؤلاء السكان بصفة جماعية او فردية مسؤولين عن هذه الأعمال".
وحتى الآن ال 25 من تشرين اول / أكتوبر الحالي استشهد من أبناء الشعب الفلسطيني في محافظات غزة 6600 شهيدًا، و19000 جريحًا، وجلهم من الأطفال والنساء والشيوخ بنسبة تصل إلى 70% من مجموع الضحايا، فضلاً عن حرمانهم من أبسط مقومات الحياة من المواد الغذائية والتموينية والدوائية والمستلزمات الطبية والوقود، وأوقفت ما يزيد على 12 مستشفى و32 عيادة صحية، وأخرجتها عن العمل، وقصفت العديد منها. كما قصفت 150 مدرسة، ودمرت المساجد والكنائس، ودمرت اميركا وإسرائيل ما يزيد عن 45 % من البيوت والابراج فيها، و145 منشأة صناعية. وهذه انتهاكات فاضحة للقانون الدولي والمعاهدات الدولية.
وجاء في المادة (25) من المعاهدة ذاتها "تحظر مهاجمة او قصف المدن والقرى والمساكن والمباني غير المحمية أياً كانت الوسيلة المستعملة." وذكرت أنفًا حجم التدمير الهائل للمساكن والمباني وأماكن العبادة والمستشفيات والمدارس.
واما معاهدة جنيف الرابعة تقول في المواد (23، 50، و55) "على كل طرف .. أن يكفل مرور جميع إرساليات الأدوية والمهمات الطبية .. المرسلة حصرًا إلى السكان المدنيين". و"على دولة الاحتلال الا تعطل تطبيق أي تدابير تفضيلية فيما يتعلق بالتغذية والرعاية الطبية والوقاية من آثار الحرب".. و"من واجب دولة الاحتلال أن تعمل، بأقصى ما تسمح به وسائلها، على تزويد السكان بالمؤن الغذائية والامدادات الطبية".
ويشاهد العالم كله، كما ذكرت أنفًا، أن دولة النفي والتطهير العرقي الإسرائيلية، التي تقود حربها إدارة بايدة، أنها حرمت الشعب الفلسطيني من كل ما تضمنته المواد المذكورة من المعاهدة الدولية، حيث حرمت المدنيين العزل في قطاع غزة من مقومات الحياة، في عقاب جماعي وحشي ضد أبناء الشعب المنكوب بالدولة المارقة والخارجة على القانون، وبعد 18 يومًا من حربها سمحت بتقطير دخول مساعدات لا تسمن ولا تغني من جوع، وفرضت على الأشقاء في مصر عدم إدخال سوى 50 شاحنة، وفي مناطق محددة من جنوب القطاع حتى الآن في اليوم التاسع عشر من الحرب.
وجاء في المادة (49) من معاهدة جنيف الرابعة "لا يجوز ان يترتب على عمليات الإخلاء نزوح الأشخاص المحميين الا في إطار حدود الأراضي المحتلة .. ويجب إعادة السكان المنقولين على هذا النحو إلى أوطانهم بمجرد توقف الأعمال العدائية في هذه المنطقة." و"على دولة الاحتلال التي تقوم بعمليات الاخلاء هذه أن تتحقق إلى أقصى حد ممكن الإقامة المناسبة لاستقبال الأشخاص المحميين .. في ظروف مرضية من جهة السلامة والشروط الصحية والامن والتغذية ومن عدم تفريق أفراد العائلة الواحدة." وكما يعلم العالم عمومًا، والغرب الرأسمالي الذي يقود الحرب، أنه في حرب الأرض المحروقة على قطاع غزة تم ترحيل ما يزيد على المليون انسان، وفرقت العائلات عن أبنائها، وهذا الترحيل يستهدف التطهير العرقي والابادة الجماعية للشعب الفلسطيني، أي التهجير القسري لخارج وطنهم الام. وهناك ما يزيد على سبعة ملايين انسان فلسطيني مطرود من وطنه الام منذ العام 1948 حتى الان، ومحرومون من حق العودة لوطنهم فلسطين وفقًا للقرار الدولي 194، المرتبط ارتباطًا مباشرًا باعتراف الأمم المتحدة بإسرائيل التي قامت على أنقاض نكبة الشعب العربي الفلسطيني".
وهناك العديد من القوانين الدولية والمواد في المعاهدات التي ترفض استباحة حقوق الإنسان بشكل سافر، وتنادي بحماية السكان المدنيين من جرائم الحرب، وترفض استخدام الأسلحة المحرمة دوليًا كالفسفور الأبيض والقنابل العنقودية، التي استخدمت في هذه الحرب الوحشية ضد أبناء فلسطين الواقعين تحت نير الاحتلال منذ ما يزيد عن ال75 عامًا، وليس ال56 عامًا الأخيرة منذ حرب حزيران / يونيو 1967.
إذا مشروع القرار الأميركي، الذي تم تمريره على مجلس الامن بحصوله على 9 أصوات، وسحبته اميركا حتى تضمن عدم استخدام حق النقض/ الفيتو ضده من قبل روسيا او الصين او كلاهما. ولكن بغض النظر ان تمكنت واشنطن من تمريره او لا، فهو مشروع قرار منافٍ لأبسط معايير القانون الدولي الإنساني، ويقلب الحقائق رأسًا على عقب، ويكيل بمعايير مزدوجة لا تستقيم مع حقوق الإنسان، ويغطي جرائم حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني. لانه يدافع عن دولته اللقيطة الإسرائيلية، اداتهم الوظيفية. وكما ذكرت في مقدمة مقالي يستهدف التغول على الأقطاب العالمية وشعوب الأرض قاطبة.
لذا على العالم واقطابه الصاعدة والمنافسة للولايات المتحدة التصدي للمشروع، وعدم تمريره، والدفاع عن نفسها قبل ان تدافع عن فلسطين وشعبها. فهل تفعل؟
ملاحظة : كتب المقال قبل التصويت على مشروع القرار الاميركي الذي استخدمت كل من الصين وروسيا حق النقض الفيتو ضده، واسقطوه.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها