بقلم: بشار دراغمة

لحظات انتظار صعبة، يقابلها جندي بمزاج بارد، غير آبه بكل هذه الطوابير الطويلة التي اصطفت على حاجز حوارة العسكري بانتظار الإذن لها بالعبور نحو تفاصيل الحياة المختلفة، في مدينة تؤكد دوما قدرتها على الصمود والتحدي وتقيم الفعاليات والأنشطة التي تدعو الناس لتخطي الصاعب وزيارة نابلس، التي أقامت معرض اكسبو 2023 وزاره عشرات الآلاف من المواطنين وشهد فعاليات اقتصادية وترفيهية تؤكد عزم المواطنين على المضي في حياتهم والثبات على أرضهم.

على ذلك الحاجز يقف جنود يقولون للمواطنين إنهم يحتفلون بعيد العُرش، يتلاشى صدى ضجيج الحياة وتسكت أصداء الزمن، ومن يصل إلى هناك يجد نفسه أمام صورة تحمل في طياتها عبئا لا يمكن تجاهله، إنها لحظات الانتظار الصعبة، تلك اللحظات التي تكون فيها السيارات محتجزة في طوابير طويلة، والناس تجبر على التوقف وانتظار إشارة من جندي تسمح بعبور بطيء تارة، وأمر بالإغلاق تارة أخرى.

تلك الصورة التي تخلق عالمين مختلفين، عالم يحتفل بعيده من خلال قمع عالم آخر، فتصبح الصورة احتفال لاحتلال يسلب أصحاب الأرض حريتهم.

تقف لساعة أو أكثر على الحاجز وأنت تتأمل كل هذا الألم، تتكشف أمامك حكايات حياة الناس، حيث يتم رسمها على وجوههم المتعبة وفي عيونهم الشاحبة، إنهم يحملون أمانيهم ومخاوفهم، ويعبثون بأفكارهم بينما ينتظرون بصبر قدوم اللحظة التي ستمكنهم من مرور ذلك الحاجز الذي يشكل جدارا يبعدهم عن مقاصدهم وأماكن عملهم.

هناك حيث كان الزمن يبدو متوقفًا والمسافات تبدو أبعد مما يمكن تصوره، يتأمل الشاب عماد سعد كل هذه الطوابير يقول: "أنا هنا منذ السابعة صباحًا، والساعة الآن التاسعة، هناك تنعكس على وجوه المواطنين ملامح الإرهاق اليومي، وهم يتقاسمون معا هذا الانتظار الصامت الذي يجمع بينهم لأنهم فلسطينيون".

ويضيف سعد: "ينتظر المواطنون بصبر، يحملون في قلوبهم أملاً في تخطي الصعاب والتوجه نحو تفاصيل حياتهم. وفي الوقت نفسه، يعلمون جيدًا بأن هذه اللحظات الصعبة تمثل جزءًا من واقعهم، وأن الحياة ليست دائمًا عادلة في ظل احتلال يتقن لغة تعذيب الآخرين في طقوس سادية معهودة".

وكانت سلطات الاحتلال فرضت إغلاقًا شاملاً على الضفة الغربية وقطاع غزة لمناسبة "عيد العُرش"، وتزامن ذلك مع تضييق كبير على الحواجز العسكرية المنتشرة في أرجاء الضفة الغربية.

وبينما كان ناصر حسين متوجهًا من نابلس إلى رام الله حيث يعمل هناك، يؤكد أن قمع الاحتلال المتعمد على الحواجز هو حالة دائمة، يرتفع منسوبها بمناسبة الأعياد اليهودية، وكأن الاحتفال يجب أن يكون دوما على حساب حياة المواطنين.

يؤكد حسين أن المواطنين يرفضون التأقلم مع هذا الواقع الذي يريد الاحتلال فرضه وأن يصبح جزءا من روتين حياة المواطنين اليومية، مضيفًا: "تجربة العبور عبر الحواجز هي حكاية حياة مليئة بالتحديات وتعكس الإصرار على التغلب على الصعاب والوصول إلى ما يطمح إليه المواطنون في زمن مليء بالتحديات والمخاطر".

وتستمر حياة المواطنين بكل صعوباتها في ثنائية العالمين المختلفين، حيث يعيش البعض حياة الاحتفال والفرح، في حين يعيش أصحاب الأرض تجربة الانتظار والإغلاق.

وفي ظل كل هذا الألم والأمل تحاول نابلس أن تؤكد صمودها في وجه الاحتلال من خلال معرض إكسبو 2023 الذي حمل لأهالي المدينة رسالة بقدرة نابلس على الصمود.

الفعالية التي تبدو اقتصادية للوهلة الأولى يؤكد القائمون عليها إنها حدث وطني يتحدى المحتل بأن نابلس ستظل قادرة على الصمود رغم كل هذا الإغلاق.

ويقول ياسين دويكات، الناطق باسم غرفة تجارة وصناعة نابلس: إن رسالة المهرجان كانت قوية.

وأضاف: "كان هناك زحف بشري إلى المهرجان".

وظل دويكات يردد "الحكي مش زي الشوف" في تأكيد على نجاح المعرض رغم كل هذا الإغلاق حيث وصل عشرات الآلاف إلى من مختلف المحافظات الفلسطينية والداخل.