تكشف الأيام بؤس العقل السياسي الصهيوني، المتكئ على النزعة الاستعلائية والغطرسة والعنصرية، والمتسم بالكذب والافتراء وتزوير حقائق التاريخ، والمرتكز على سفسطات الأساطير اللاهوتية الخرقاء، والتأويلات الطائشة والصبيانية للآيات والأسفار الدينية، المتنافية مع أبسط معايير المنطق العلمي. لذا ظل أسير هرطقات الحاخامات والآيديولوجيين الأرثوذكس المتطرفين، الذين استوطنت في وعيهم ولاوعيهم النظرة الفوقية والغرور، نتاج ما نضحوه من مستنقع وعيهم المؤسطر، وجهلهم بقيمة ومكانة مطلق إنسان، كإنسان مساو لأخيه الإنسان بغض النظر عن مكانته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ومعتقده أو فكره أو جنسه أو عرقه، وجميع بني البشر متساوون أمام الله والقانون، وهو ما ينفي التفسير السطحي والساذج لمقولة "شعب الله المختار"، المرهونة بزمان ومكان محدد، ولا تتسم بالتعميم والإسقاطات اليهودية الصهيونية، التي تفترض أن شعوب الأرض "أتباع وعبيد" عند اليهود، لأنها فرضيات متهافتة ومشوهة وتفتقر للعقل السياسي الإنساني.
آسف استطردت بعض الشيء في المدخل، للرد على العجرفة والعنصرية المقيتة والفاشية المنفلتة من عقالها في أوساط النخب السياسية والحريدية الصهيونية، لا سيما أنهم جميعا مسكونون بهذه الهرطقات، حتى لو بدا أي منهم لبعض الوقت يتقمص المنطق العقلي، ويعلن إقراره بالمساواة مع الآخر.
ونموذج من النخب الإسرائيلية الفاجرة، وفاقدة الأهلية السياسية والقانونية والأخلاقية، عنوانها جلعاد أردان، ممثل إسرائيل في الأمم المتحدة، الذي دعا حكومته الفاشية إلى العمل على إقناع الدول الأخرى، أن "رحيل عباس، رئيس السلطة الوطنية خطوة ضرورية"، معتبرا أن السلطة كيان معاد. وفق صحيفة "جيروزاليم بوست" يوم السبت الموافق 16 أيلول / سبتمبر الحالي. لأنه وأقرانه في الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، يفترضون أن قيادة السلطة بمثابة سلطة "تابعة لها" وعليها "تنفيذ الإملاءات الإسرائيلية"، وتقبل العمل كـ"أداة وظيفية" عند دولته الكولونيالية الإجلائية الإحلالية. ولم يسأل أردان المارق نفسه، لماذا دول العالم تدافع عن الحق الفلسطيني، وتصوت لصالح القضية الفلسطينية؟ هل تصويتهم عن غباء، أو عدم إدراك للحقائق، أم العكس صحيح، لأنهم يرون جرائم حرب حكومات دولته الاستعمارية، ويعون أنها معادية مع خيار السلام؟
وأضاف مطلقا العنان لمنطقة الغوغائي الاستعلائي العنصري، والرافض لدفاع الرئيس محمود عباس عن شعبه، وعن حقوقه السياسية والقانونية، ومطالبه بـ"الصمت والاستسلام" أمام جرائم حرب دولته اللقيطة، وعدم قول كلمة "أخ"، فقال "إن التصريحات التي أطلقها رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس هذا الأسبوع تثبت أن الانتقادات المستمرة الموجهة لإسرائيل تبدو في غير محلها" وما هي التصريحات التي تجوز لتكون في محلها؟ وتابع رافضا مواقف الدول المنادية بالتزام إسرائيل بخيار السلام، فقال، إن كل الضغوط التي تمارسها دول الأمم المتحدة على إسرائيل بشأن القضية الفلسطينية، وكل الحديث ليس له أي صلة على الإطلاق طالما أن زعيم الفلسطينيين يتصرف على هذا النحو. وما هو الممكن من دول العالم من قبل إسرائيل؟
وتطاول على الرئيس أبو مازن، متجاوزا كل القيم السياسية والدبلوماسية والقيمية، والأخلاقية، ومحرضا بدعوته أزاحة الرئيس أبو مازن "من الساحة." وداعيا الحملة الإسرائيلية للتركيز على هذا الخيار الإجرامي،
وادعى ذلك الصهيوني الأرعن والطائش، أنه لا يوجد شريك فلسطيني؟ والسؤال هل هناك شريك إسرائيلي من أصله؟ هل هناك قائد إسرائيلي واحد كان مستعدا لدفع ثمن السلام؟ ألم تغتالوا إسحاق رابين في تشرين الثاني / نوفمبر 1995 لأنه وقع اتفاق أوسلو المشوه، ولم يوافق على إقامة الدولة الفلسطينية؟ وألم تعتقلوا إيهود أولمرت لأنه أبدى الاستعداد لإجراء مفاوضات تقبل القسمة على عملية السلام وخيار حل الدولتين. رغم أنه لم يحدد حدود الدولة الفلسطينية، ولا حدود عاصمتها القدس الشرقية؟ وعن أي سلام تتحدثون؟ ألستم من صادق على قانون "القومية الأساس للدولة اليهودية" عام 2018، الذي ضمنتوه رفضكم الكامل لأي حق تقرير مصير للشعب العربي الفلسطيني؟ وألم تقروا قوانين العلم والنكبة وكامنيتس وغيرها من القوانين العنصرية المعادية والرافضة حق الفلسطيني بالدفاع عن روايته وعلمه ورمزياته الوطنية.
لن أناقش ما جاء في تصريحك، عن رفضك لذهاب القيادة الفلسطينية لمحكمة العدل الدولية لتحديد طبيعة الاستعمار الإجلائي الإحلالي الإسرائيلي، لأني أجبت عليه آنفا، كونكم ترفضون مبدأ السلام، وتعملون ليل نهار على تهشيم وتدمير خيار حل الدولتين، وتسعون للسيطرة الكاملة على فلسطين التاريخية. وبالتالي عليك، وعلى قيادتك الصهيونية الفاشية أن تعلموا جيدا، أن الرئيس عباس، هو رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، وهو رئيس حركة التحرر الوطني، ولن يحيد قيد أنملة عن أهداف وثوابت الشعب العربي الفلسطيني مهما كانت التضحيات. والشعب وقواه ونخبه الحية لن يرفعوا الراية البيضاء لإسرائيل ومن يقف خلفها، ولن يتنازلوا عن حقوقهم وثوابتهم الوطنية. ولن يقبل الشعب الفلسطيني أية إملاءات إسرائيلية أو أميركية أو غيرها، بالضرورة القيادة الفلسطينية ستمارس التكتيك وتعتمد المناورة وتدوير الزوايا وفقا لاستراتيجيتها الوطنية، حتى تحقيق كامل الأهداف الوطنية. وأترك الباقي لك لعلك تدركه، وتكف عن اعتماد سياسة الغباء والاستهبال والفوقية الوهمية، لأن يد الدفاع والكفاح الوطني الفلسطينية، هي الأعلى كونها تنسجم مع قوانين الشرعية الدولية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها